بقلم  ايهاب رشدى 
تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك الحكم عقب اغتيال السادات فى أكتوبر عام  1981 ، وكان البابا شنودة وقتها معزولاً فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون بقرار من السادات ،  لكن مبارك لم  يصدر قراره  بعودة البابا  أسوة  بإفراجه عن كل الذين أودعهم السادات بالسجون فى سبتمبر الأسود ، إلا بعد مرور 4 سنوات ظل فيها  البابا بعيداً عن كرسى الكرازة المرقسية ، حتى جاء عام  1985 عندما أصدر مبارك قراره الجمهورى  بعودة البابا والغاء القرار الذى أصدره السادات بالعزل . 
 
وقد اختلف شكل العلاقة بين البابا شنودة والدولة فى عهد مبارك عن نظيره السادات ، حيث تجنب البابا الصدام الذى غلب على تعاملاته مع السادات والذى لم يكن إلا رد فعل من البابا تجاه معاداة السادات  للاقباط فى كثير من سياساته . 
 
ومن جانبه جعل مبارك يوم 7 يناير ( عبد الميلاد المجيد ) أجازة رسمية لجميع قطاعات الدولة ، وتمت فى عهده  اضافة مبدأ المواطنة للمادة الأولى فى الدستور المصرى والتى رأى الاقباط فى مصر أنها تدعم ( نظرياً وليس عملياً ) مبدأ المساواة بين جميع المصريين . 
 
وقد شهد عصر مبارك الذى دام نحو ثلاثين عاما ،  العديد من المذابح التى تعرض لها الاقباط وحلقات كبيرة من الاعتداءات على الكنائس والأديرة وعلى حياة وممتلكات الاقباط  انتهت بأحداث كنيسة القديسين بالاسكندرية فى اوائل عام 2011 والتى تحرك لها  ضمير العالم كله ، وكانت بمثابة المسمار الأخير الذى دُق فى نعش مبارك ، كما صاحب عهده أيضا تهميش واستبعاد للأقباط سياسياً على مستوي كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها  ، إلا أن البابا شنودة بحكمته كان يتجاوز الكثير من تلك الاحداث رغبة فى الاستقرار والسلام ، وقال حينما سؤل عن رأيه فى عصر مبارك أنه أفضل رؤساء مصر الثلاثة منذ ثورة 1952 من حيث  التعامل مع الاقباط وان الاقباط لم يقاسوا منه ولكن معاناتهم تأتى ممن هم تحت امرته ، وبأن عصره قد شهد ديمقراطية فعلية فى مصر .  
 
وكثيرا ما كان البابا شنودة يلجأ إلى الصمت والاعتزال فى الدير حينما تشتد وتيرة الأحداث ضد الاقباط ، ويفسر  ذلك بأنه  ليس أسلوباً للضغط على الدولة وإنما للضغط على الله فهو يصمت لكى يتكلم الله . 
 
ولم يرى الأقباط  أبيهم الروحى باكيا إلا فى أيام مبارك وتحديدا فى عام 2005 حينما  شهدت منطقة محرم بك بالإسكندرية أحداث عنف ضد الاقباط ومحاولة من المتشددين لاقتحام كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس ، حيث بكى البابا شنودة أمام الشعب القبطى لأول مرة فى إحدى عظاته بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية و قال عبارته الشهيرة " إن فى ذهنى كلام كثير لأقوله وفى قلبى كلام أكثر من هذا ولكنى أفضل أن أصمت " . 
 
وفى بعض الأحيان كان البابا يلجأ إلى الحوار مع أجهزة الدولة لإنهاء بعض المشكلات مثلما حدث فى مشكلة وفاء قسطنطين زوجة أحد كهنة الكنيسة والتى أشيع أنها قد أسلمت ، ثم تم الاتفاق على عودتها بمبادرة من الكنيسة واتفاق مع أجهزة الدولة .  
 
وكانت قضية الزواج الثانى من القضايا التى تعرض فيها البابا شنودة لاتهامات بأنه يتحدى سيادة الدولة ويرفض تنفيذ قراراتها وقد جاء ذلك بعد أن رفض تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بإلزام الكنيسة بالتصريح للزواج الثاني لأحد الأشخاص المسيحيين ، و جاء بيان المجمع المقدس مؤيداً لموقف البابا والذى أعلن ذلك فى مؤتمر صحفى ،  وأعلنها البابا  صراحة أنه لا  توجد قوة علي وجه الأرض تستطيع أن تجبره علي مخالفة الإنجيل ، وقد وقف الاقباط كلهم خلف البابا فى هذه القضية مؤيدين موقفه هذا . 
 
و من القضايا التى أثارت الجدل السياسى حول البابا فى السنوات الاخيرة من حكم مبارك ، تصريحاته  الاعلامية التى أعلن فيها  تأييده لترشح جمال مبارك  لحكم مصر حيث قال أنه لا يوجد منافس فعلى له  وأن معركة الرئاسة ستكون مع جمال مبارك والمجهول  . 
وهو ما رأه البعض من الاقباط وغير الاقباط يتعارض مع التنديد بفكرة التوريث التى رفضها الشعب المصرى منذ البداية ، فى حين رأى البعض الآخر  أن رأى البابا ربما يرجع إلى أن وجود جمال مبارك هو الوضع الامثل للأقباط وأن البديل لذلك هو سيطرة الاسلاميين على حكم مصر وقتئذ . 
 
وخلال أحداث الأيام الاولى من ثورة يناير كان البابا من أوائل المساندين لمبارك وقد أعلن موقفه علانية فى الإعلام وقال : " اتصلت به لأطمئن عليه وأقول له نحن معك " ، وكان البابا رافضا لاشتراك الاقباط فى المظاهرات ويقول "  نحن بطبيعتنا – المسيحيين - نود أن نعيش فى هدوء ولا نحب ان نشترك فى مظاهرات " ، وربما كانت تلك التصريحات تعود إلى بعد نظر البابا الذى رأى ان   الثورة سيكون لها نتائج سلبية تنعكس على الاقباط وعلى المصريين جميعا وهو ماحدث بالفعل بركوب الاخوان المسلمين للموجة الثورية وتمكنهم من السيطرة على الحكم بعد ذلك .
 
وقد اعلن البابا شنودة صراحة وبعيدا عن الدبلوماسية كثيرا من معاناة الاقباط خلال عصر مبارك والتى لخصها فى عدة أمور صرح بها فى إحدى اللقاءات التليفزيونية والتى لم تذاع إلا بعد رحيله ، حيث شكا من بطء  الاجراءات القضائية ضد المتهمين المقبوض عليهم فى الاحداث الطائفية التى يتعرض لها الاقباط ، وشكا من أن هناك شحن مستمر تمارسه الصحافة المصرية والاعلام ضد الاقباط ، و من استبعاد الاقباط من قطاعات كبيرة منها الرياضة وكرة القدم ، وعن رفضه أن يمارس دور الديكتاتور على الاقباط فيكمم أفواههم فى مصر وخارجها، 
 
وطالب بالتحقيق فى حادثة القديسين معلنا رفضه لما اعلنته الداخلية بان الجانى هو شخص واحد قام بتفجير نفسه بحزام ناسف ، وقال ان شاهدى الحادث أكدوا انه أكثر من انفجار وان عدد القتلى والمصابين أكبر من قدرة الحزام الناسف .
 
وعن بناء الكنائس أكد أان الروح السائدة فى الدولة هى ضد بناء الكنائس وان هناك أماكن كثيرة ونجوع ليس بها مكان ليصلى فيه الاقباط . 
 
وكان البابا شنودة مشغولا أيضا بقضية العدالة الاجتماعية التى تآكلت فى عهد مبارك وطالب الدولة بأن تجد  حلولا للجوع والبطالة وارتفاع الاسعار وقال انه يشعر بنبض الشارع وليس الكلام عن الاقباط فقط ، وان المظاهرات لا تعالج بالقمع  وإنما بعلاج أسبابها ، واقترح على الدولة ان تقوم بسدا احتياجات الفقراء والجوعى أولا قبل الملايين التى يتم انفاقها على بعض المشروعات .