سحر الجعارة
فى مقالى السابق «تهمة الدفاع عن الدولة الوطنية» أشرت إلى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال لقائه بممثلى وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية على هامش منتدى الشباب الذى عُقد فى شرم الشيخ، حول ليبيا، والتى قال عنها الرئيس إنها «تُعد العمق الإقليمى للأمن القومى المصرى ولم تفرض مصر عليها الوصاية».. وأضاف: «كان من الأولى أن تتدخل الدولة المصرية بشكل مباشر فى ليبيا ولديها القدرة على ذلك، إلا أنها لم تقم بهذه الخطوة للحفاظ على العلاقة والأخوة مع الشعب الليبى لأنه لن ينسى لنا هذا التدخل المباشر فى أمنه».

وكذلك رسالته الموجهة إلى تركيا بوضوح: «إن دول الاتحاد الأوروبى تواجه تحدياً مع تركيا لعدم تعاونها مع دول الاتحاد ومحاولتها زعزعة الاستقرار فى منطقة شرق المتوسط».

وقد تناقلت وسائل الإعلام اتفاق الرئيسين المصرى «عبدالفتاح السيسى» والقبرصى «نيكوس أنستسيادس» على اتخاذ كل الخطوات الملائمة لوقف تنفيذ اتفاق تعيين الحدود البحرية بين تركيا وحكومة «فايز السراج»، بوصفه اتفاقاً غير قانونى، وقال المتحدث باسم الحكومة القبرصية إن «السيسى» قال إن الاتفاق لا تترتب عليه أى مواقف قانونية، مشيراً كذلك إلى أن أى وجود عسكرى تركى فى ليبيا سيزعزع من استقرار المنطقة.

لكن، بكل أسف، لا أحد ينظر إلى الاتفاقيتين اللتين وقعهما «رجب طيب أردوغان»، ورئيس حكومة طرابلس، «فايز السراج»، باعتبارهما «غزواً عثمانياً» جديداً، فإحدى الاتفاقيتين تقفز على كل مبادئ الجغرافيا لترسيم الحدود البحرية «الوهمية» فى المتوسط، للمطالبة التركية بحقوق فى مناطق واسعة فى البحر المتوسط، بعدما اكتشفت فيها أخيراً ثروات هائلة من الغاز والنفط.. رغم وجود جزيرة تفصل الحدود بين ليبيا وتركيا وهى جزيرة كريت اليونانية. والأخرى تتعلق بالتعاون الأمنى والعسكرى.. وهو «احتلال رسمى» من تركيا للأراضى الليبية، ووجود عسكرى يهدد الأمن القومى المصرى فى عمقها الاستراتيجى!

لقد أيقظ حقل «ظهر» المصرى، الذى يمتلك أكثر من 200 تريليون متر مكعب، وهو رقم كفيل بأن يجعل أطماع العالم تتجه ناحية هذه المنطقة، أيقظ المارد المجنون «أردوغان».. لم تعد حرب تركيا لمصر تقتصر على إيواء قادة جماعة «الإخوان» الإرهابية لتصدير الإرهاب إلى مصر، ولا توفير الدعم اللوجيستى لجماعات الإرهاب لضرب استقرار مصر.. بل أصبحت حرباً عسكرية معلنة ومفتوحة ومن منصة عربية هى «ليبيا»!

الاتفاق العسكرى يسمح لأردوغان بإرسال غواصات وطائرات حربية بالقرب من الحدود البحرية لمصر، وهذا يسمى «إعلان حرب».. فقد فشل «أردوغان» فى مخطط تفتيت المنطقة العربية إلى دويلات عرقية ودينية، وفقد الاحتضان الغربى، وأصبحت مصر مركزاً دولياً للطاقة فى منطقة الشرق الأوسط.. ففقد «قواد تركيا» الموقع الذى كان يحلم به، فلا بد من ضرب مصر فى مقتل.. والنقطة القاتلة هى الاقتصاد المصرى.

ودعونا نعود بالذاكرة قليلاً، ستجد أن السيناريو المرسوم لمصر أن تظل «محنية» ومهزومة اقتصادياً، لتتعرقل كل محاولات التنمية، وكذلك يصعب عليها تنويع مصادر السلاح أو التسليح المتقدم لجيشها.. ولكن السيناريو يشترط ألا تسقط مصر لأنها «حزام الأمان» الذى يطوّق المنطقه العربية.

ضع هذا السيناريو مقابل إدارة الرئيس «السيسى» لملف العلاقات الخارجية، ستجد أنه اختار «الحلفاء» بذكاء محسوب بالشعرة، وأنه تخلص من التبعية الأمريكية، ليس فى «المعونة» فحسب بل فى تنويع مصادر السلاح.. وتذكّر هنا الحقد القطرى على حاملة الطائرات الميسترال وغيرها.. فقد كان قرار مصر الاستراتيجى يحقق التوازن فى العلاقات الدولية ويحرر مصر من «حيتان» السوق العالمية للسلاح، بل ويحرر إرادة القرار المصرى من أى ضغوط بامتلاكنا لقوة ردع عسكرية قوية مع تنوع مصادرها.

نعود إلى «الحلفاء»، ستجد ليبيا التى اجتاحتها الفوضى منذ عام 2014، بعد مقتل القذافى بعامين تقريباً، وانقسمت إلى فريقين، الأول بقيادة «خليفة حفتر»، المدعوم من القاهرة والرياض والإمارات، والذى يتحكم فى أكثر المناطق الليبية وأهمها بالطبع منطقة الهلال النفطى.. والفريق الثانى «فايز السراج» الذى يحكم طرابلس وبعض المناطق الأخرى المدعوم من النظام التركى والقطرى والإخوان.

والمؤامرة «التركية- القطرية» تستهدف إسقاط «حفتر» لتحطيم قبضته القوية على مناطق النفط الليبى.. تماماً كما تستهدف إنهاك قواتنا المسلحة فى حرب مفتعلة.. يحركها «الخليفة المزعوم» وخريطة «دولة الخلافة الإسلامية» التى يحلم بها والتى حكم على شعبه بالسحل والقهر والسجن من أجلها!

لقد قال مسئول أمريكى إن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية «استفزازية» ومثار قلق للولايات المتحدة الأمريكية.. وهو رد هزيل على اعتداء صارخ على «مصر واليونان وقبرص».. فى الوقت الذى قال فيه نائب رئيس البرلمان الأوروبى المنتمى لحركة «خمس نجوم»، «فابيو ماسيمو كاستالدو»، إن اتفاق حكومة الوفاق الليبية مع تركيا يضر الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى، داعياً إياها للتدخل.

إن العالم -كالعادة- يقف موقف المتفرج، ويكتفى بالشجب والإدانة، بينما نحن بصدد اعتداء صارخ على ثروات ثلاث دول.. واحتلال مدبر بغطاء سياسى لدولة عربية! وكأن قدر مصر أن تظل دائماً على خطوط المواجهة، سواء بالتصدى لخرق القانون الدولى، (فايز السراج لا يملك إبرام اتفاقيات دولية منفرداً طبقاً لما ينص عليه اتفاق الصخيرات الذى عُقد فى عام 2015)، أو بالتأهب لأى تحركات عسكرية تهدد أمنها واستقرارها.. مصر تسدد فاتوة «خيالات مريضة» لأردوغان.. لكن «كل مُيسَّر لما خُلق له».. ونحن أهل للمعارك.. المهم أن نكسب معركة الوعى الشعبى أولاً.
نقلا عن الوطن