محمد القصبي
    كأنها عملية غسيل مخ هائلة تجري لي .. تجري لشعب بأكمله..القائمون عليها يكابدون لتكريس رؤية بعينها.. أن هذا الذي رحل صباح الثلاثاء محمد حسني مبارك كان زعيما ملهما ..متفردا في وطنيته ..في حبه لشعبه ..أن فترة الثلاثين عاماً التي أمضتها مصر في "عصمته " هي العصر الذهبي الأوحد في تاريخ المصريين منذ 52 قرناً..منذ أن وحد نارمر مينا القطرين..

    هل أنخرط في البكاء ندماً ؟ هل أغرس أظافري في جلدي حتى تنزف شراييني كل ما بداخلها من دماء؟!

    لايكفي ..حديث أحمد موسى عن إنجازات الراحل العظيم ..أحاديث غيره من إعلاميين و سياسيين وفنانين عن الزعيم التاريخي ..عن آخر الأنبياء تنغرز بداخلي إحساساً بالحسرة عن حماقاتي حين كتبت كثيرا منتقدا إياه!

    شعورطاغٍ بالندم يطفح بداخلي.. وكأن لاوسيلة للتخلص منه إلا بإطلاق الرصاص على رأسي الأحمق الذي زين لي أن آخر الأنبياء محمد حسن مبارك كان وراء وراء خراب مصر..

    وبعيدا عن السخرية .. لقد بدأ حسني مبارك فترة حكمه حسن النوايا تجاه شعبه ..وفي خطوه الأول دعا إلى مؤتمر اقتصادي شارك فيه العشرات من خبراء مصر وأكاديمييها ..بداية تبشر بعهد جديد تنقشع فيه عن سموات الوطن غيوم الفقر والتخلف ..

    وبالفعل شهدت تلك الفترة خطوات جادة للإصلاح ..فماذا حدث ..؟

    هذا الذي أطلقوا عليه الحزب الوطني..وهو في الحقيقة لاينتمي للوطنية بصلة.. أصبحت استمارة عضويته السجل التجاري للأفاقين والمغامرين !

    وتمت هرمنة الحزب بهرمونات الانتهازية ليتورم ويتضخم ليصبح أكبر الأحزاب المصرية ..فقط ..لأنه حزب الرئيس ..حتى أنني كتبت مقالاً في صحيفة الوفد عام 2005 إن لم تخني الذاكرة قلت فيه ساخراً أن الرئيس مبارك لو تخلى عن رئاسته لهذا الحزب فسوف يتقزم ولايرى بالعين المجردة!!

    هل كان شعار المفكر الاسكتلندي الشهير " دعه يعمل دعه يمر" كلمة السر في نهضة المجتمعات الغربية التي اتخذت من الاقتصاد الحر مساراً لها؟
    رجال الأعمال وغيرهم من مافيا الحزب اللاوطني بعبقرية يحسدون عليها أجروا تعديلا في أشعار آدم سميث ليكون " دعه يسرق ..دعه يفر"!

    وفي ظل هذا الشعارغيرالمعلن نهبوا ثروات مصر..مستغلين وهن الرئيس أمام جبروت مافيا الحزب وسطوة الزوجة التي أبت أن يشغل إبنها أية وظيفة إلا وظيفة رئيس الجمهورية خلفاً لأبيه..!!

    ويكفي القول أن حجم الأراضي المنهوبة – معظمها في عهد آخر الأنبياء- بلغ 16 مليون فدان .. تقدرقيمتها كما قال طارق محمود الأمين العام لائتلاف دعم صندوق تحيا مصر في تصريح له بصحيفة المصري حوالي 900 مليار جنيه ..و إزاء مستنقع الفساد هذا احتلت مصر مراكز متقدمة وباقتدار في قائمة الدول الفسدانة طبقاً لتقارير منظمة الشفافية العالمية في برلين ..

    وفي عهد الراحل " العظيم " تردى التعليم وانهارت المستشفيات وتوغل فيروس سي في خلايا المصريين..!

    وتم إقصاء ملايين المصريين ليقطنوا العشوائيات والمقابر..! واكتظت أرصفة البطالة بملايين الشباب..

    لكن في الحقيقة ثمة ماهو إيجابي خلفه الراحل ..درساً بليغاً..مفاده أن الديكتاتورية سم قاتل للشعوب ..خلال سنوات الخطو الأول للحاكم في رحلة الألف ميل الشاقة لبناء بلده على الطريق الصحيح.. قد يحقق إنجازات طيبة ..وهذا مافعله مبارك ..لكن إن تحولت السنوات إلى عقود من الطبيعي جدا أن يصنع له المطبلاتية مرآة مغايرة لكل المرايا.. فلايرى نفسه سوى نبي يوحى إليه .. والويل لمن يقول غير ذلك !َ لذا ينبغي أن يظل ملازما للكرسي ..وكالعادة تطفح صفوف المطبلاتية بمن يدعو إلى سن تشريع بأن يظل الزعيم الملهم حاكماً حتى نهاية العمر..

    فإن جاء ملك الموت ..فالابن جاهز !!!
    ليتنا نعي هذا الدرس جيداً..!
نقلا عن الحوار المتمدن