حذر خبراء تكنولوجيون من أن مصارف بلدان جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى هى الأكثر عرضة للهجمات الإلكترونية بدءاً من تزييف البطاقات الائتمانية، والاحتيال المصرفى، وصولاً إلى اختراق الحسابات والسيرفرات البنكية، وهو ما يعود بصفة أساسية إلى افتقار تلك البنوك إلى الكوادر التكنولوجية المؤهلة ونقص الاستثمارات فى مجالات الحماية من الجرائم الإلكترونية

 
ويرى محللون فى شركة "داتا بروتيكت"، التى تتخذ من الدار البيضاء مقراً لها، أن ضآلة حجم الجرائم الإلكترونية فى إفريقيا التى تقدر بنحو 3، 5 مليار يورو مقابل 528 مليار دولار على مستوى العالم، لا تعنى أن القارة تبلى بلاء حسناً فى مجال الحماية الإلكترونية وتحدياتها ومكافحة الجريمة الإلكترونية مقارنة بالقارات الأخرى، بل العكس هو الصحيح. 
 
ويقول خبراء الشركة المتخصصة فى مجالات مكافحة الجرائم الإلكترونية أن النتائج التى توصلوا إليها جاءت بعض فحصهم لبيئة وأساليب الأمن الإلكترونى فى 148 مصرفا فى الدول الثمانى الأعضاء فى "الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب أفريقيا" UEMOA إضافة إلى ثلاث دول أخرى من بلدان وسط القارة هى الجابون والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مشيرين إلى أن 21 مصرفاً شاركوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى الدراسة المسحية التى أعدتها بعنوان "الاحتيال المصرفى فى بلدان جنوب الصحراء الأفريقية".
 
وأقرت أكثر من 85 فى المئة من المؤسسات المالية أنها وقعت ضحية لهجوم إلكترونى واحد على الأقل وتكبدت خسائر نتيجة لذلك، وبعضها تعرض لهجمات متكررة، جاءت 30 فى المئة من تلك الهجمات الإلكترونية فى صورة تزوير وغش فى استخدام البطاقات المصرفية، بينما كان 33 فى المئة منها فى صورة احتيال مصرفى كرسائل البريد الإلكترونى المرسلة بغرض خداع الأفراد للاستيلاء على بياناتهم الشخصية. 
 
أما الهجمات الإلكترونية الأكثر شيوعاً، والتى تمثلت نسبتها نحو 24 فى المئة من كل الحالات الواردة بالدراسة المسحية استهدفت العمليات المصرفية الرئيسية، وزرع فيروسات، واختراق نظم المعلومات المالية فى تلك المصارف. 
 
وعلاوة على ذلك، تضررت المصارف من تلك الهجمات فى صور شتى من بينها تسريب معلومات، وسرقة الهويات، وتحويلات مالية وهمية، والاحتيال باستخدام شيكات مزيفة. 
 
ويتحدث خبراء شركة "داتا بروتيكت" بمزيد من الصراحة عن الإشكالية التى تواجه المصارف الأفريقية بقولهم "بمنتهى الوضوح، فإن البنوك الأفريقية تواجه مجرمين محترفين"، كاشفين النقاب عن حقيقة صارخة تؤكد أنه فى الشريحة التى أجروا عليها الدراسة تبين أن الكوادر المعنية بالأمن الإلكترونى فى تلك المؤسسات المالية لم ترصد سوى 6 فى المئة فقط من الجرائم الإلكترونية التى تعرضت لها مؤسساتهم، والأدهى من ذلك، أنه حتى عند اكتشاف حدوث هجمات إلكترونية فإن المؤسسات تخشى الإعلان عن ذلك، ما يصعب من مهمة تقدير الأثر المالى للهجمات الإلكترونية على المؤسسات المصرفية فى القارة الأفريقية. 
 
وتشير تقديرات الخسائر التى أوردتها البنوك المضارة بهجمات إلكترونية أن متوسطها بلغ 770 ألف يورو خلال السنوات القليلة الماضية، لكن خبراء شركة "داتابروتيكت" يقدرون أن كل حاسب إلى يضار بهجمة إلكترونية يكلف الشركات نحو 9 آلاف يورو فى المتوسط "وهذا المبلغ مرشح للزيادة بسرعة ما لم يتم احتواء الهجوم". 
 
وقالت شريحة نسبتها 85 فى المئة من البنوك التى غطتها الدراسة المسحية إنها تستثمر 500 ألف يورو سنويا للتصدى لتهديدات الهجمات الإلكترونية، بينما قالت 50 فى المئة إنها تستثمر ما بين 100 و500 ألف سنوياً فى هذا المضمار 
 
وكان تقرير"أورانج للدفاع الإلكتروني" الصادر فى عام 2018 تحت عنوان "الاستثمارات الأفرقية فى الأمن الإلكتروني"، توقع أن ينمو سوق الأمن الإلكترونى فى القارة الأفريقية من 5ر1 مليار يورو فى عام 2017 ليصل أكثر من 2ر2 مليار يورو فى 2020. 
 
ورغم ارتفاع الاستثمارات التى ضختها المؤسسات فى حقول الحماية الإلكترونية، فإنها تبقى منخفضة كما أن الخسائر مستمرة.
 
ويرى تقرير "داتابروتيكيت"، التى تتخذ من المغرب مقراً لها وتمتد أنشطتها فى أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا، أن "استثمارات الحماية الإلكترونية يتعين أن تتناسب مع المخاطر المعلوماتية التى تنطوى عليها الأنشطة، وشركات القطاع المالى تقف على المحك وتحفها مخاطر". 
 
ومن المنظور العملى والتشغيلى، فإن 55 فى المئة من المؤسسات المالية تلجأ لتأمين احتياجات الحماية الإلكترونية من الخارج وليس عبر كوادرها الخاصة، وتبرر ذلك برغبتها فى التركيز على نشاطها الجوهرى، وعن الاستعانة بالخارج Outsource تحل أيضاً قضية إيجاد أو توظيف كوادر فنية متخصصة ومؤهلة، وهى المشكلة التى واجهتها أكثر من 85 فى المئة من البنوك التى خضعت للدراسة.
 
ويعلق التقرير على تلك الجزئية قائلاً "خبراء الحماية الإلكترونية غالباً ما يترددون فى قبول التوظف بإحدى الشركات، إذا إنهم ينعزلون مهنياً ويفتقدون لفرص الارتقاء الوظيفى فى مجالهم، و20 فى المئة من المؤسسات التى غطتها الدراسة تعاطت مع تلك القضية بجدية لمعالجتها من جميع الجوانب، ورغم أن الحذر لا يحمى المؤسسات بصورة كاملة، فإنه يمنع النسبة الأعظم من الاختراق. 
 
وخلص تقرير الشركة، التى تعمل فى أكثر من 35 دولة ولديها 500 عميل من بينهم 100 بنك، إلى أن نسبة الـ80 فى المئة المتبقية من المؤسسات التى غطتها الدراسة مارست أنشطتها دون تبصر وهى تعمل فى مجال عالى المخاطر، وإذا ما تعرضت لهجوم، فإنها تتكبد الجانب الأكبر من الخسائر".