في مثل هذا اليوم 24 فبراير1945م..
حادث اغتيال درامى لرجل ظل طوال حياته السياسية مثيراً للجدل هو أحمد ماهر باشا، الوفدى العريق، الذي انضم إلى الأجهزة «السرية»، واتهم بتشكيل «جماعة اغتيالات»، ثم كلفه الملك فاروق بعد ذلك بتشكيل وزارة، تألفت من السعديين والأحرار الدستوريين والحزب الوطنى والكتلة الوفدية، ليلقى مصرعه في البهو الفرعونى بمجلس النواب متأثراً بإصابته بعد إطلاق الرصاص عليه.

وهناك تاريخان لمولده، الأول أورده محمد السوادى في كتابه «أقطاب مصر بين الثورتين»، وهو عام ١٨٨٥م، والثانى ١٨٨٨م الذي أورده الدكتور يونان لبيب رزق، في كتابه «تاريخ الوزارات في مصر»، المصادر التاريخية اتفقت على أنه تخرج في مدرسة الحقوق عام ١٩٠٨ ووالده هو محمد ماهر، وكيل وزارة الحربية ومحافظ القاهرة.

عمل عامين بالمحاماة، ثم سافر عام ١٩١٠ إلى فرنسا التي حصل فيها على الدكتوراه في القانون والاقتصاد من جامعة مونبيلييه، وبعد حصوله على الدكتوراه عاد إلى مصر عام ١٩١٣ ليعمل في مدرسة التجارة، التي التقى فيها بزميل عمره محمود فهمى النقراشى، فتزاملا وسارا معاً تحت راية سعد زغلول، كما التحقا بأجهزة عبدالرحمن فهمى «السرية»، وألقى القبض عليهما بقضية اغتيال حسن عبدالرازق وإسماعيل زهدى، أمام مبنى جريدة «السياسة» عام ١٩٢٢، ثم أفرج عنهما لعدم ثبوت الاتهام، ثم قبض عليهما مرة أخرى معاً في مايو ١٩٢٥ بتهمة تشكيل جماعة سرية للاغتيالات، وشكل سعد زغلول هيئة للدفاع عنهما، كان على رأسها المحامى المغوار «آنذاك» مصطفى النحاس باشا، الذي حصل لهما على البراءة بعد أقل من عام، رغم أن السياسة فرقت بين النحاس وأحمد ماهر بعد ذلك بعشر سنوات، حينما انشق ماهر والنقراشى عن حزب «الوفد»، فإن الثانى ظل طوال حياته لا ينطق ولا يسمح لأحد بأن ينطقه بكلمة تسىء للنحاس، وإذا كان أحمد ماهر قد حفظ لمصطفى النحاس دوره في الدفاع عنه فإن ذلك لم يمنعه من أن يتطلع لرئاسة «الوفد» بعد رحيل الزعيم سعد زغلول، كما رأى أحمد ماهر والنقراشى أحقيتهما في شغل موقع سكرتيرى الحزب أكثر من مكرم عبيد، لأسبقيتهما في الارتباط بـ«سعد زغلول» ودورهما في الكفاح السرى الذي كاد يعرضهما للموت أكثرمن مرة.

كانت المنافسة بين ماهروالنقراشى من جانب والنحاس ومكرم من جانب آخر أشبه بمقدمة للانشقاق، الذي حدث بين عامى ١٩٣٧ و١٩٣٨، بعد أن خرج ماهر وغالب والنقراشى مع مجموعة من شباب «الوفد» وشكلوا «الهيئة السعدية»، وحين أبرمت معاهدة ١٩٣٦ كان أحمد ماهر يحتل موقع رئيس مجلس النواب، وحين ألف مصطفى النحاس وزارته الرابعة في أول أغسطس ١٩٣٧ خلت من مجموعة أحمد ماهر مثل محمود غالب، وعلى فهمى، والنقراشى، ومحمد صفوت، وانفجر الموقف داخل «الوفد» وفى الجبهة المعادية للحزب، تبادل الفريقان الاتهامات وخرجت مظاهرات تنادى بوحدة «الوفد» وتبادل النحاس والنقراشى خطابين شديدى اللهجة في ٧ و١٠سبتمبر وصدر قرار الحزب بالإجماع بفصل النقراشى في ١٣سبتمبر ١٩٣٧، وبقى أحمد ماهر في «الوفد»، وفى اجتماع كان أشبه بتجديد الثقة للنحاس بعد دفاعه عن الحقوق الدستورية للملك، حظى بتأييد الجميع إلا ثلاثة هم: أحمد ماهر، وحامد محمود، وإبراهيم عبدالهادى، فصدر قرار بفصلهم في ٣ يناير ١٩٣٨ على إثر إقالة وزارة النحاس في٣٠ ديسمبر ١٩٣٧، وظن أحمد ماهر أن التكليف بتشكيل وزارة جديدة سيذهب إليه غير أنه فوجئ به يذهب إلى محمد محمود باشا، صاحب وزارة «اليد الحديدية»، الذي حل البرلمان الوفدى. وفى الوزارة الرابعة لمحمد محمود باشا في يونيو ١٩٣٨ دخل أحمد ماهر باشا والنقراشى ومحمود غالب وحامد محمود الوزارة ليشاركوا في إحكام القبضة «المحمودية» على الشعب وفى قمع الحريات، لتكون هذه بداية السقوط.

وهارده» فى ٢٤ فبراير ١٩٤٥، وبعد أن ألقى أحمد ماهر، بيان الحكومة حول إعلان الحرب على خصوم الحلفاء في مجلس النواب وأثناء انتقاله إلى مجلس الشيوخ عبر البهو الفرعونى لكى يدلى ببيانه، قام شاب يدعى محمود العيسوى، كان عضوا بالحزب الوطنى، ومحامى في مكتب سكرتير الحزب عبدالرحمن الرافعى، بإطلاق الرصاص عليه فأصابه في مقتل وعلل إقدامه على اغتيال ماهر بأنه تسبب في إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان، وعلى إثر مقتل أحمد ماهر اتجهت نية الملك نحو تعيين النقراشى باشا وزيراً للداخلية بالنيابة، وبذلك تبقى الوزارة بلا رئيس غير أن محمد حسين هيكل باشا، رئيس مجلس الشيوخ، أشار على الملك بتعيين النقراشى رئيساً للوزارة باعتباره نائب رئيس الهيئة السعدية، على أن تبقى الوزارة كما هى، وفى ساعة متأخرة من نفس العام تم تأليف وزارة النقراشى دون أي تغيير باستثناء وجود النقراشى على رأسها، ووزيرا للداخلية.!!