كتب : مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
 
لقد بات من الضروري تدريس تاريخ مصرباعتباره أحد المكونات الأساسية لدعم الانتماء القومي ، وخاصة في ظل ما يسيطر على العالم اليوم من إتجاهات عولمية ، ومع كثرة المتغيرات والاضطرابات التي يمكن أن معالجتها بالولوج إلى جذورالمشكلة وفهم أسبابها وطبيعتها والعمل على استئصال هذه الأسباب ، نظراُ لأن كل مشكلة من المشكلات التي تعترض الإنسانية لها جذورها العميقة وأسبابها المدروسة في تراث الأجيال السابقة ، و كان ينبغي علينا أن نكون من أكثرالشعوب تفهمًا لذلك الأمر ..
 
ويرى المفكر الكبير الراحل د.رفعت السعيد أن القيمة الوطنية للتاريخ عبر العصورالمختلفة والأختلاف حول تحديد معيارأهمية الحدث حتى يكون جديراً بالتعرف عليه ، نظراً لأختلاف النظرة للتاريخ من موقع إلى آخر ، ومن طبقة لآخرى وهو ما ادى إلى نشاة القراءات المختلفة للحدث التاريخي من روىء متعددة سياسية ودينية وإجتماعية وعرقية ووطنية ، لافتاً إلى إختلاف كتابة التاريخ عن أية كتابة أخرى ، بإعتبارها تمس الوجدان الوطني ، ومن ثم يمكنها ان تكون عنصراً ملهماً أومحبطاً للجماهير الشعبية ، كما يمكنها أن تكون خير تعبيرعن توحد أوتخلخل في الجسد الوطني ، ولهذا تظل أعين الحكام في حالة ترقب دائم له..
 
 في موقف شهير ، وعند توقيع اتفاقية كامب دافيد بحضور الرئيس الأمريكي كارتر ، إنبرى " مناحم بيجين " رئيس الكيان الإسرائيلي أنئذ  قائلاً " لقد تعبنا جداً في إنجاز تلك المفاوضات ، ولعلها تعد امتداداً لتعب الأجداد في بناء الأهرامات " وكأنه يعلن للعالم كله أن الأهرامات إسرائيلية ، وأكتفى الرئيس السادات بإطلاق ضحكته الشهيرة للأسف ، رغم أنها كانت الفرصة التاريخية للرد على تلك الخزعبلات ، ولكن فاقد المادة التاريخية كيف يفيض بها على العالم ؟!
 
كما أن تصريحات "يوسف زيدان" السلبية حول شخصية " صلاح الدين الأيوبي " والاتهامات التاريخية له ، قد استدعت حالة الغضب لدى الكثيرين والرد على كل ما اعتبروها مزاعم " زيدانية " سواء هي في الواقع صحيحة أم زائفة ، ولكن ارتباط العامة وجدانياُ  بأحداث الفيلم الشهير الذي يحمل اسمه  وما حفرته تلك الدراما في نفوس المشاهد المصري والعربي الكثير من البطولات النبيلة ما جعل هناك حالة ارتباك وخلافات فكرية ..
 
كما أن رد فعل الشارع المصري وأهل الكتابة التاريخية والدرامية و أعضاء الجمعية التاريخية  على أحداث دراما " الجماعة " ، مابين غاضب ومؤيد ،  وهو ماينبغى التوقف عند كل تفصيلة بالدراسة العلمية والتحليل  .. لقد ثارت  الجماعة الوفدية حينها رافضة ، و استنكر أصحاب الميول الناصرية واليسارية بعض مشاهد العمل التى نالت من رموز عظيمة الشأن كما وصفوها ، وصار الجدل ليس فقط على تراتبية الأحداث ووقوعها من عدمه ، بل وفي طريقة البناء الدرامي لشخوص العمل ، وكمان الأماكن وسبل تفاعل تلك الشخوص مع بعضها ومع أحداث الواقع في تلك الفترة ..
 
  لاشك أن " التاريخ" بمفاهيمه الكثيرة يختلف في استخداماته من فئة إلى أخرى ، ومن جماعة وطنية وأخرى . وهناك معانٍ حديثة تفرعت من المعاني القديمة للكلمة تدل على "تاريخ التاريخ" نفـسه، أي دراسة التطورات التي مرت بها الدراسات التاريخية منذ عصر الاسطورة الى عصر النظام الاكاديمي الذي تتم فيه دراسة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والوقائع والأحداث العسكرية والسياسية في فترة زمنية بعينها، وفي مكان محدد من العالم، وهو المعنى الدال على الدراسة العلمية للتاريخ.
 
يذكر المؤرخ الأكاديمي قاسم عبده قاسم أن هذه المعاني الكثيرة المتوالدة من كلمة "تاريخ" تدلنا على حقيقة هذا النوع من الدراسات الانسانية ومدى مرونة المصطلح المستمدة من طبيعة العلم التاريخي نفسه، وربما يكون هذا هو السبب في القول أن المؤرخين غير واثقين تماماً من قدرتهم على تحديد ماهية "التاريخ" بشكل دقيق. ويعني هذا ببساطة أن التاريخ مركب ومتغير ومحير تماماً مثل الناس الذين يسجل حياتهم وأفعالهم. فالتاريخ ، مثل الفن والفلسفة والادب، طريقة للنظر الى التجربة الانسانية سواء كانت النظرة الى الجماعة وحياتها التي تشكل مجمل التاريخ، أو الى الافراد الذين يشكلون جزئياً هذا التاريخ. فالتاريخ بوصفه علماً ونظاماً دراسياً، يتناول الانسان في حياته الاجتماعية عبر العصور، ويمثل الانسان والزمان الجناحين المتغيرين في الظاهرة التاريخية، وهو ما يعني ان مادة التاريخ وموضوعه شديدا التركيب والتعقيد من ناحية، ودائما التغير من ناحية اخرى. وهذا، في ظني، سبب تعدد المعاني والمدلولات التي تحملها كلمة "التاريخ".
 
ومن جهة اخرى انعكست هذه الحقيقة على "قراءة التاريخ". وتفصيل ذلك أن الحدث التاريخي يقع مرة واحدة ويستحيل اعادة انتاجه بطبيعة الحال. ومن البديهي ان احداً لا يمكن ان يؤلف تاريخاً، وانما يقوم المؤرخون "بقراءة التاريخ" وليس كتابته كما يبدو للوهلة الاولى.