د. مينا ملاك عازر

مبدئياً أنا لست من سامعي أغاني المهرجانات ولا متابعيها، إلا إذا كنت مضطر بسبب وجودي في مكان يشغل هذه المسماة أغاني، كتكتك وما شابه، الأهم من هذا أحب أن أؤكد على أنني لست من المعجبين بها، ولا الفاهمين لكلماتها، معظمها بالنسبة لي طلاسم، شفرات من تلك التي كانت تتجسس بها أمريكا وتفكها، فاضحة حوالي مئة وعشرين دولة، وعليها فأنا لست من المدافعين عن تلك الأغاني، ولا داعي لرفع الحظر عنهم، ولا حتى لحظرهم، أي غير مهتم بهم على الإطلاق.
 
لكني تابعت ما جرى من لغط حولها وحوارات كثيرة، وقرأت ما كتبه البعض عن انهيار الذوق العام بسبب تلك الأغاني، وسألت نفسي هل الفن مرآة تعكس ما عليه الشعوب؟ أما معلم للشعوب؟ وجدت بعد تفكيراً عميقاً أنه ليس مرآة فحسب بل ربما معلم، لكنه في كل الحالات هو وسيلة غير مباشرة للتأريخ، نعم تأريخ حال الشعوب وأفكارهم وحالتهم، وهو رصد لا جدال فيه لحال طبقة ما من المجتمع مهمشة من المجتمع، هذا ما يجري بين أفرادها.
 
ومن ثمة، فأنا أدعوك ليس لوقفها أو دعمها لكن لتحليلها تحليل علمي من خبراء علم الاجتماع والنفس لتحليل حالة بائسة يائسة من مؤلفي هذا الأغاني أبناء الطبقة المهمشة من المجتمع التي لم تحصل على قدر كافي ومحترم من التعليم، وبالتالي لا ثقافة لديها غير الثقافة الموروثة والمتناقلة من أي مكان،تلك الطبقة الهشة والمهمشة، صالحة للاستفادة بها في ما يعرف بأغاني المهرجانات أو التراث المتناقل المرضي أو من السهل استغلال أفرادها لأفكار إرهابية هدامة تحض على نبذ الآخر وربما العنف.
 
أنا لست خبير لأدعي أن أمثال تلك الأغاني موجودة بصور أخرى في المجتمعات الأخرى، لكن ربما هي موجودة بصور مختلفة، وربما كانت في عصور مختلفة في مجتمعنا بأشكال أخرى، أقول ربما لا أنفي ولا أجزم، لكن عندي يقين بأنه كان هناك أمثال تلك الأغاني والأفكار والأشكال الفنية في عصور قديمة، وكانوا ينظرون لها هكذا، وفي مجتمعات أخرى الآن، ولا أعرف كيف كانوا أو هم بالفعل ينظرون لها الآن بأي طريقة؟ المهم في وجهة نظري هي كيفية تعاملنا مع تلك الأغاني؟ هل نتركها ونتعامل معها على أنها مؤشر ينقل لنا نبض فئة أو طبقة من البشر يعيشون معنا على هذه الأرض أم نكبحها ونمنعها ونكبتها فتنفجر في وجهنا بطرق أخرى عملاً بأن الاقتصاد الموازي الذي يكتسح الاقتصاد الأساسي في هذه البلد يمكن أن يكون له نظير فن موازي، وهكذا في مصانع بئر السلم تنتشر، فلا مانع من ستوديوهات بير السلم وما شابه.
 
يا سادة، لا تقولوا لي أنكم اكتشفتم فجأة أن الذوق العام انهار، الذوق العام انهار منذ زمن بعيد، انظروا لاهتمامنا بالجماليات في بناياتنا، انظروا لاهتمامنا بالأخلاق في تعاملاتنا، رغبتنا في استرضاء مديرينا، تجعلنا نتخلى عن أبسط مبادئ المهنة التي نمتهنها، رغبتنا في الحصول على حقوقنا تجعلنا نسلك كل الطرق الغير مشروعة والغير أخلاقية لأننا نعرف الطرق السليمة حبالها طويلة، وربما لا نحصل في النهاية على شيء، لا تضحكوا على أنفسكم، الذوق العام منهار، منذ أن وصل بنا الحال لخطاب ضعيف لغوي يلقيه شخص ضعيف فكرياً على مجموعة تجامله لأنه له منصب أو سلطة أو جاه، فيطبلون ويصفقوا له، وحينها فقط ينتشي هو ويزداد سوء على سوئه، ويختار الأرداء منهم ليخلفوه، فيخلفوا لنا كل خراب فكري وإبداعي وثقافي، الذوق العام انهار منذ أن تصدر المشهد قليلو العلم وعديمي التربية في نقاشاتهم، وناقصي الأفكار، محدودي الأحلام، وعديمو الإبداع، وتوارى كل من له رأي وفكر ورغبة في الإصلاح بشكل جاد وليس دعائي.
 
المختصر المفيد نحن بحاجة لثورة على أنفسنا لنتغير حقاً.