د. محمود العلايلي
بنظرة سريعة على تاريخ جماعة الإخوان المسلمين'> الإخوان المسلمين على مدى تسعة عقود، أو على تاريخ تنظيمات الإسلام السياسى الأخرى، نجد أن الأجهزة الأمنية لم تستطع أبدا القضاء التام على هذه التنظيمات، وإن استطاعت فى فترات كثيرة تحجيم عملها وتقليص أثرها، والسبب فى صعوبة ذلك هو الأساس العقائدى لتلك المجموعات، وبالتالى فهم ليسوا مجرمين اعتياديين ومن ثم لم يمكن مجابهتهم على الصعيد الأمنى فقط، لأن المكون الفكرى يحتاج لمكون فكرى مضاد، يحتاج إلى المناخ المناسب للازدهار ليخوض معركته مع التيارات الظلامية المستترة بالدين.

والحقيقة أنه بعد إنهاء حكم جماعة الإخوان فى يوليو 2013 بدأت معاناة العديد من الأنساق الفكرية المختلفة من إغلاق المجال العام وتحجيمه، وهو الأمر الذى لم يُفد إلا الجماعات التى تزدهر فى الظلام، والتى لو خُيرت بين فتح المجال العام أو السيطرة عليه لاختارت إغلاق المجال العام لأنه المناخ الصالح للعيش لها وحدها، وبالتالى القضاء على خصومها السياسيين الذين يدفعهم الاختناق إلى الملل، ومن ثم اليأس والسكوت، أو يدفعهم الكبت إلى الانفجار ضد النظام فيما يستحق المعارضة فعلا وما لا يستحق من الأساس، وهو ما توظفه الجماعة وأذنابها لمصلحتهم سواء فى داخل مصر أو خارجها، وفى النهاية يُولّد هذا المناخ حالة من الاستقطاب الحاد، حيث تضع السلطة نفسها فى كفة ميزان ومعها حلفاؤها التنظيميون، بينما يقبع الإخوان المسلمون والتنظيمات الموالية لهم فى كفة الميزان الأخرى، التى تُلقى فيها السلطة التنفيذية غصبًا باقى التيارات التى أصابها الكبت فى أحضان الإخوان وأتباعهم الذين يستقبلون مجيئهم بكل التقدير، لأنهم على الرغم من التنافر الفكرى والخصومة السياسية فإنهم صاروا يُحسبون فى معسكرهم ويُثقلون من كفة ميزانهم.

إن الخوف الحقيقى من هذا الاستقطاب غير المخطط أن تتحول التيارات التى دُفعت دفعا لكفة الإخوان إلى تكوين شراكة سياسية معهم بحكم الإقصاء، بدلا من احتوائهم فى العمل الوطنى عموما، وبصفتهم خصوما لتنظيمات الإسلام السياسى خصوصا، حيث إنه غير خافٍ على المراقبين أن جماعة الإخوان والتنظيمات المسلحة الأخرى تحارب معركة البقاء فى ظروف مواتية إلى حد بعيد، لأنه بإخلاء الساحة من التيارات السياسية والفكرية الوطنية، فإن المواجهة اقتصرت على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهو الوضع الذى ألفوه وتدربوا عليه مع الزمن، حيث نجحوا فى البقاء تنظيميًا فى عهد عبدالناصر على الرغم من الاعتقالات والإعدامات والمطاردات الأمنية، بينما أوهموا السادات بموافقتهم على العمل وفق شروطه، وعلى التوازى استكملوا العمل السرى، وشاركوا التنظيمات العنيفة مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والتكفير والهجرة، بالإضافة إلى جماعة الدعوة والتبليغ لنشر الفكر والترويج له، ثم كانت المرحلة الذهبية التوافقية بين الجماعة وعهد مبارك الذى توهم أنه يمكن شراؤهم ببعض المكاسب السياسية، فى الوقت الذى عملوا فيه على الانتشار من خلال الجمعيات الخيرية الإسلامية لجذب أعداد مضاعفة من المحبين والمتعاطفين، الذين ساندوهم فى انتخابات النقابات قبل 2011، وفى الانتخابات العامة بعدها.

ومن هذه المعطيات تتطلب هذه المعركة توسيع الجبهة قدر الإمكان وعدم الاكتفاء بحل الجماعة ولا بالمواجهة الأمنية فقط، ولذلك فالأمر يبدأ بأن يتيقن النظام أن مفهوم خطر جماعة الإخوان لا يقتصر على دوائر صناعة القرار فقط، ولكن هذا الخطر مستشعر على عدة مستويات سياسية وفكرية وشعبية، بعضها كان عارفًا بخطرهم قبل قفزهم على السلطة، والبعض الآخر أدرك ذلك خلال فترة حكمهم، مما يدفعنا إلى العمل على إعادة نموذج 30/6 حيث كانت الأفكار المخالفة تنازعهم الأدمغة التى سلبوها، والمساحات التى احتلوها، عن طريق الأحزاب السياسية ومختلف التيارات الفكرية المناهضة لأفكارهم، مما سهل إقصاءهم وإنهاء حكمهم.
نقلا عن المصرى اليوم