في مثل هذا اليوم 22 فبراير1958م..

الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة باتحاد بين سوريا ومصر وذلك بعد تنازل شكري القوتلي عن الحكم لجمال عبد الناصر..
الجمهورية العربية المتحدة هو الاسم الرسمي للكيان السياسي المتشكل إثر الوحدة بين جمهوريتي مصر وسوريا، أعلنت الوحدة في 22 فبراير / شباط 1958 بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري عبد الناصر'> جمال عبد الناصر. اختير عبد الناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة. وفي عام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضًا. أنهيت الوحدة بانقلاب عسكري في دمشق يوم 28 سبتمبر / أيلول 1961، وأعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سميت باسمها الحالي جمهورية مصر العربية.

اعتبر البعض أن الوحدة المصرية – السورية التي أعلنت في 22 فبراير 1958، كانت نتيجة المطالبة الدائمة لمجموعة من الضباط السوريين، في وقت كان فيه قادة حزب البعث العربي الاشتراكي قد قاموا بحملة من أجل الاتحاد مع مصر. إذ يرى الصحافي باتريك سيل "أن عبد الناصر'> جمال عبد الناصر لم يكن متحمسا لوحدة عضوية مع سوريا، ولم يكن يطمح لإدارة شؤون سوريا الداخلية ولا أن يرث مشاكلها كان بالأحرى ينادي بـ "التضامن العربي" الذي بموجبه يقف العرب وراءه ضد القوى العظمى، وكان يحتاج بصورة خاصة إلى السيطرة على سياسة سوريا الخارجية بهدف حشر أعدائه من الغربيين والعرب. وكانت هذه فكرة مختلفة تماما عن برنامج البعث الوحدوي الداعي إلى تحطيم الحدود ولكنه لم يستطع أن يأخذ شيئا ويدع شيئا، وهكذا دفعه السوريون دفعا إلى الموافقة على قيام الجمهورية العربية المتحدة."

ورأى الدكتور جورج جبور: "أنه منذ منتصف عام 1954، ومنذ مطلع عام 1955 خصوصا، أبدت الجماهير في سوريا اهتماما خاصا بثورة مصر: اتفاقية القناة، مقاومة الأحلاف، بلورة الفكرة العربية لدى قادة ثورة مصر، الضغط الصهيوني على مصر متمثلا في الحملة على غزة في مطلع عام 1955، مؤتمر باندونغ، صفقة الاسلحة، توضح الاتجاه الاجتماعي للثورة ومحاربتها الجدية للاقطاع... كل ذلك اكسب الثورة وقائدها احتراما عظيما في الأوساط التقدمية والديموقراطية في القطر العربي السوري، فإذا أضفنا إلى كل ذلك الوزن الذي تمثله مصر في الوطن العربي: بشريا وحضاريا وجغرافيا خصوصا، اتضح لدينا أن استقطاب الزعامة الناصرية للجماهير العربية في النصف الثاني من الخمسينات كان أمرا محتما".

جاء وفد عسكري سوري إلى القاهرة بالسر دون علم الحكومة السورية مطالباً بالوحدة الفورية. وقد فاوض عبد الناصر وعبد الحكيم عامر طيلة أيام 13-16 يناير، وتكللت المهمة بالاتفاق العام على الوحدة ولإكمال المهمة وصل وزير الخارجية السوري صلاح البيطار، يوم 16 يناير للتوقيع بالحروف الأولى على ميثاق الوحدة بين سوريا ومصر.

وتابع جبور: "بدأت ملامح هذا الاستقطاب في سوريا عام 1955 حين طرحت حكومة الثورة في مصر مواجهة حلف بغداد شعار انتهاج سياسة عربية خارجية مستقلة، ضمن نطاق الجامعة العربية، وتقوية ميثاق الضمان الجماعي العربي. لقي هذا الشعار ما يستحقه من تقدير لدى القوى الوطنية في سوريا فألفت حكومة جديدة ساهم فيها حزب البعث في الحكم، كذلك بدأت منذ تلك الفترة دعوة حزب البعث إلى الاتحاد بين مصر وسوريا باعتبار أنهما البلدان الأكثر تحررا من البلدان العربية الاخرى".

ويرى المؤرخون لتلك الفترة من تاريخ سوريا السياسي، أنه مع انتخاب شكري القوتلي في العام 1955، حسم الموقف لمصلحة التيار المنادي بالتعاون والتحالف مع مصر، واتفقت مصر وسوريا على إنشاء قيادة عسكرية موحدة يكون مركزها في دمشق، وكانت العوامل الخارجية قد لعبت دورها الأول في تعزيز هذا التقارب، حيث بدأ الاتحاد السوفياتي في بداية عام 1956، بحملة ديبلوماسية واسعة لاكتساب دول الشرق الأوسط، وقبلت سوريا ومصر في شهر شباط من نفس العام صفقات السلاح السوفياتي في الوقت الذي كان فيه حلف بغداد يهدد الأراضي السورية بدعم من بريطانيا.

ورأى الدكتور أحمد سرحان أنه عند اندلاع معركة سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1956 ووقوع العدوان الثلاثي على مصر "أعلنت الحكومة السورية حالة الطوارئ في أراضيها واتجهت وحدات من قواتها للمرابطة في الأردن بعدما عطلت خط أنابيب التابلاين الناقلة للبترول السعودي إلى الساحل اللبناني. وقد اضطرت هذه الوحدة للانسحاب من الأردن ابتداء من 24 إبريل (نيسان) 1957 بعد أن هددت القوات الأميركية بالتدخل ضدها".

لم يعد بوسع الحكومة السورية التراجع عن سياستها الجديدة إذ شعرت بقدر من العزلة أمام السياسة العراقية بل والإسرائيلية. فعقدت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 1957 معاهدة للتعاون الاقتصادي مع الاتحاد السوفياتي. واجتمع في 18 تشرين الأول 1957 مجلس النواب السوري ومجلس النواب المصري في جلسة مشتركة وأصدرا بالإجماع بياناً فيه دعوة إلى حكومتي البلدين للاجتماع وتقرير الاتحاد بين الدولتين. وفي هذا الاتجاه اجتمع رئيسا البلدين وأركان حكومتيهما وأصدروا بياناً في 22 فبراير (شباط) 1958 أعلنوا فيه توحيد القطرين في دولة واحدة تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، التي قرر أن يكون نظامها رئاسياً ديموقراطياً. وبالفعل جرى استفتاء شعبي على الوحدة وتم انتخاب عبد الناصر'> جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة. ووضع في 5 مارس (آذار) 1958 دستورا جديدا مؤقتا للجمهورية العربية المتحدة. وقد أناط الدستور السلطة التنفيذية برئيس الجمهورية يمارسها فعلياً بمعاونة نواب الرئيس والوزراء الذين يعينهم ويقيلهم بنفسه، وهم مسؤولون أمامه دون غيره. علماً بأنه كان هناك إلى جانب الحكومة المركزية في الجمهورية العربية المتحدة مجلسان تنفيذيان إقليميان: المجلس التنفيذي المصري، والمجلس التنفيذي السوري اللذان يرأس كل منهما وزير مركزي، أما السلطة التشريعية فقد تولاها مجلس الأمة المكون من نواب يعين نصفهم رئيس الجمهورية والنصف الآخر يختاره من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سوريا ومصر، وقد منح مجلس الأمة حق طرح الثقة بالوزراء، ولكن بصورة فردية من دون المسؤولية الوزارية الجماعية التي بقيت قائمة أمام رئيس الجمهورية فقط. وبذلك حافظ النظام على طبيعته الرئاسية المتشددة، ولا سيما أن بعض أعضاء المجلس كانوا يعينون من قبل الرئيس، وهذا يخالف ويتجاوز طبيعة النظام الرئاسي القائم مبدئياً على الفصل بين السلطات".

المحامي غالب ياغي (الذي تولى في تلك الحقبة أمانة سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان)، اعتبر أن الوحدة العربية كانت وما زالت حلماً بالنسبة إلى العرب، وجاءت الوحدة المصرية السورية تلبية لرغبات الشعبين المصري والسوري، في إطار الجو الدولي الضاغط، والأحداث التي شهدها الوطن العربي من تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والحشود التركية على الحدود السورية وصولاً إلى قيام حلف بغداد بالمؤامرات والدسائس... ومنذ أيام إنشاء حكومة صبري العسلي في سوريا أصر ميشيل عفلق أن يتضمن البيان الوزاري للحكومة الدعوة إلى الوحدة السورية المصرية، وقد لاقت هذه الدعوة تأييد مجلس الشعب السوري. وقد قام عدد من قادة الألوية في الجيش السوري بمفاوضة الحكومة المصرية حول الوحدة، وكان من بين هؤلاء عبد الغني قنوت، وأمين الحافظ، وصلاح جديد، ومصطفى حمدون. وأعلنت الوحدة، ومنح الرئيس السوري شكري القوتلي لقب "المواطن العربي الأول".

خطاب عبد الناصر:
24 شباط (فبراير) 1958

أيها المواطنون:


السلام عليكم ورحمة الله..

إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتى، فقد كنت دائماً انظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهارده.. النهارده أزور سوريا قلب العروبة النابض.. سوريا اللى حملت دائماً راية القومية العربية.. سوريا اللى كانت دائماً تنادى بالقومية العربية.. سوريا اللى كانت دائماً تتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان.

واليوم - أيها الإخوة المواطنون - حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة."..

في رسالة مؤرخة 24 شباط / فبراير 1958، أبلغ وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة الأمين العام للأمم المتحدة بإنشاء مصر وسوريا لدولة واحدة هي الجمهورية العربية المتحدة. بعد ذلك، في مذكرة مؤرخة في مارس 1958، أبلغت وزارة خارجية الجمهورية العربية المتحدة الأمين العام بما يلي: "تجدر الإشارة إلى أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة تعلن أن الاتحاد من الآن فصاعدا عضو واحد في الأمم المتحدة، ملتزم بأحكام الميثاق وأن جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر أو سوريا مع بلدان أخرى ستظل سارية ضمن الحدود الإقليمية المنصوص عليها في إبرامها ووفقًا لمبادئ القانون الدولي."

في برقية مؤرخة 8 أكتوبر 1961، أبلغ رئيس الوزراء ووزير خارجية الجمهورية العربية السورية رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة أن سوريا قد استأنفت وضعها السابق كدولة مستقلة وطلبت من الأمم المتحدة أن تأخذ علما بالعضوية المستأنفة في الأمم المتحدة للجمهورية العربية السورية. قام رئيس الجمعية العامة بتوجيه هذا الطلب إلى الدول الأعضاء في جلستها العامة 1035 المعقودة في 13 أكتوبر 1961. وفي الجلسة العامة 1036 التي عقدت في نفس التاريخ ، صرح رئيس الجمعية العامة بأنه لا يوجد أي اعتراض. وبعد عدم توجيه أي اعتراض من أي دولة عضو، أعاد وفد الجمهورية العربية السورية شغل مقعده في الجمعية كعضو في الأمم المتحدة مع جميع الالتزامات والحقوق التي تتفق مع هذا الوضع. في رسالة موجهة إلى الأمين العام في 19 يوليو 1962، أبلغه الممثل الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة بنص المرسوم رقم 25 الصادر عن رئيس الجمهورية العربية السورية في 13 يونيو 1962 وذكر ما يلي:

"يترتب على المادة 2 من النص المذكور أن الالتزامات التي تعاقدت عليها الجمهورية العربية السورية بموجب الاتفاقيات المتعددة الأطراف و المعاهدات خلال فترة الاتحاد مع مصر تظل سارية في سوريا. حيث امتدت فترة الاتحاد بين سوريا ومصر من 22 فبراير 1958 إلى 27 سبتمبر 1961. "

وأخيرا، وفي رسالة مؤرخة 2 أيلول / سبتمبر 1971، أبلغ الممثل الدائم لجمهورية مصر العربية لدى الأمم المتحدة الأمين العام أن الجمهورية العربية المتحدة قد استعادت اسم جمهورية مصر العربية (مصر)، وفي رسالة مؤرخة 13 سبتمبر 1971، ذكرت البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية أن الاسم الرسمي لسوريا هو "الجمهورية العربية السورية".

أسباب الانفصال:
قيام عبد الناصر'> جمال عبد الناصر بتأميم البنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى والتي كانت مزدهرة من غزل ونسيج وأسمنت.
قدوم الكثير من العمال المصريين إلى مدن الإقليم الشمالي، واختلال توازن قوى العمل.
سياسات استبدادية من قبل الحكومة في الإقليم الجنوبي ساهمت في توليد انزعاج لدى السوريين الذين كانوا يتباهون بالتعددية السياسية التي اشترط عبد الناصر إلغائها لقبول الوحدة.

كان لجهاز المخابرات دور مؤثر في إذكاء نار الفرقة بين المواطنين.
عدم وجود تواصل وترابط على الأرض بين الإقليمين، ووجود كيان شديد العداء بينهم ( إسرائيل ).
المنطقة العربية كانت ترزح تحت مؤامرات عديدة من مختلف الأطراف، جعلت الوحدة على غير استقرار، ولم يكن من شيء ليوقف تداعيها، بل ربما لم يوجد في الجوار العربي سلطة ترغب باستمرارها.

يرى البعض أن الانفصال كان سببًا في نكسة عام 67، لكن آخرين يرون بأن الانفصال هو الذي حمى سوريا من خسارة أكبر إبان تلك الحرب، فربما كان سوء التنظيم الإداري الذي غلب على مرحلة الوحدة أن يتسبب في استغلال أكبر من قبل إسرائيل للظروف السيئة واحتلال مزيد من المساحات على الجبهتين.

من جانب آخر كان يمكن للوحدة أن تغيّر الظروف السياسية بشكل كبير فيما لو تحمل السوريون أعباءها لفترة من الزمن، ودعمتها الظروف السياسية آنذاك حتى تستقر الموازين بين جناحي الوحدة.

على الرغم من عدم نجاح تجربة الوحدة بالبقاء لفترة طويلة، يختلف الكثير من الباحثين والنقاد حول تقييم تلك المرحلة من التاريخ العربي، وتتباين الآراء بشدة بين من يصفها بالنجاح ومن يصفها للفشل ولكل منطقه وحججه، فبينما يحاجج الوحدوين بالمنجزات الاقتصادية التي تم إنجازها في عهد الوحدة في سوريا وعلى رأسها بداية مشروع سد الفرات، والذي كان في نظر عبد الناصر موازيًا لمشروع السد العالي في أسوان إلى حركة التأميمات الكبيرة، إضافة لحماية سوريا من تهديدات الأحلاف التي كانت تتربص بها والتي كانت السبب الأساسي وراء قيام دولة الوحدة بهذا الشكل.

يقول الفريق الآخر أن قرار عبد الناصر بالغاء كافة الأحزاب السياسية أدى إلى جمود في الحركة السياسية السورية، كما أن حركة التأميمات طالت بعضًا من أفراد الطبقة الوسطى الذين كافحوا طوال سنين لبناء ثرواتهم الصغيرة الشخصية، لكن تم هضم الكثير من حقوقهم أثناء حركة التأميم الواسعة آنذاك.!!