نهاد أبو القمصان
استناداً إلى المادة ٣ من قانون تنظيم التقاضى فى الأحوال الشخصية، الشهير بمحكمة الأسرة، التى تنص على أن تصدر الأحكام طبقاً لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص فى تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة، هذه المادة جعلت أبا حنيفة الحاكم الحقيقى لمصر كلها، فهو أعلى من الدستور والبرلمان والقانون وأى شىء وكل شىء، لماذا؟

بأمر أبى حنيفة تصدر قرارات اعتقال للنساء، وذلك لمنع النساء من السفر، مستعجلة فى ٢٤ ساعة وبأمر على عريضة، أمر عجيب أن تظل دعوى النفقة لإطعام أطفال جوعى تتداول لأكثر من سنة لكن أمر اعتقال امرأة يصدر فى ٢٤ ساعة ودون إبداء أسباب، لأن القانون أعطى لقاضى الأسرة الاختصاص بالنظر فى منازعات السفر دون أن يحدد منازعات السفر لمن، وإلى أى مرحلة سنية، وبالتالى ما إن ينشأ خلاف بين زوج وزوجته يهرع إلى محكمة الأسرة لينتقم من تجرؤها على طلب نفقة تطعم بها الأطفال أو طلب انفصال بالطلاق أو الخلع، يرد الزوج الهمام انتقاماً منها بطلب مستعجل على عريضة أمام قاضى الأسرة ليصدر قرار منع الزوجة، حتى لو كانت تعمل وجزء من عملها السفر لمهمات خارج مصر، وحتى لو كان ما يطعم الأولاد هو عملها، وطبعاً منع الأولاد من السفر حتى لو كان فوق سن المخاصمة القانونية وهو ١٥ سنة، وهنا تكمن المشكلة، بعض القضاة يرفضون مثل هذا النوع من الأوامر، لكن لكثير من قضاة محاكم الأسرة ونياباتها رأى آخر، حيث يرون أن لهم الحق فى إصدار قرارات اعتقال النساء والشباب الصغار بقرار مستعجل من قاضى الأمور الوقتية بأمر على عريضة، لأن أبا حنيفة قال ذلك دون إبداء أسباب، وإن كان اعتقالاً مختلفاً، فهو ليس فى مكان احتجاز وإنما هو داخل حدود مصر، اعتقال للنساء مهما كان سنها أو مركزها أو وضعها الاجتماعى،

حيث يتم إصدار قرار بمنعها من السفر حتى لو كانت المرأة تعمل وطبيعة عملها تستلزم السفر أو ترغب فى الحج أو حتى وزيرة بطلب على عريضة يصدر قرار اعتقالها بالمنع من السفر كما يتم اعتقال الشباب الصغار ذكوراً أو إناثاً لحين الوصول إلى سن ٢١ عاماً دون اعتبار لإرادتهم أو حياتهم أو حتى اعتبار القانون نفسه الذى أعطاهم حق الاختيار مع من يرغبون الحياة بمجرد وصولهم إلى سن ١٥ سنة، بل جعل لهم حق المخاصمة القضائية بأنفسهم أيضاً فى سن ١٥ سنة، وهنا يوقف القضاة أحكام الدستور التى تنص المادة 41 منه على أن الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطى. الاعتقال طبقاً للقانون هو إجراء سالب للحرية ولكنه إجراء استثنائى دون حسم قضائى، وبدون لائحة اتهام وبدون محاكمة، والاعتقال لم ينص عليه فى قانون العقوبات بل هو منصوص عليه كإجراء أمنى فى القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958م بفرض حالة الطوارئ، الذى عرف بقانون الطوارئ، فقد وضع الدستور محاذير واشتراطات معقدة لاستخدام الحق فى الاعتقال، ولكن واستناداً إلى قانون محكمة الأسرة وتضييقاً على العباد فإن القانون وضع الأرجح من أقوال أبى حنيفة تعطل الدستور وأحكام المحكمة الدستورية العليا والقوانين والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر. لا بد أن ينتبه واضعو مسودة القانون الجديد لهذا الأمر ويجعلوا أوامر المنع للأطفال فقط تحت سن ١٥، وهى سن تخيير الطفل أين ومع من يريد الحياة، أو يتم إلغاء الدستور وحل البرلمان ويحل محلهما الراجح من أقوال أبى حنيفة.
نقلا عن الوطن