أمينة خيري
أول مرة زرت ماليزيا، فوجئت بأن الطرق السريعة الرائعة ليست مجانية. فكل بضعة كيلومترات، يتوقف السائق ليضع بطاقة ما على الماكينة ثم يمر. وعرفت فيما بعد أن هذه الطرق حتى تبقى محافظة على مستواها الرائع من الأمان والخدمات والصيانة تستوجب من مستخدميها دفع مبالغ مالية، إما بشراء بطاقة عقب اجتياز عدد معين من الكيلومترات، أو شراء بطاقة تسمح لحاملها باستخدام الطريق لفترات طويلة يتم حسابها بنظام الفئات.

وقبلها شهدت بدء تطبيق "رسوم الازدحام" المطبقة على كل السيارات التي تجتاز وسط لندن وذلك في مطلع الألفية.

وفي عام 2017، شهدت كذلك فرض رسوم إضافية على السيارات القديمة التي تجتاز وسط لندن؛ وذلك للسيطرة على معدلات التلوث التي تسببها.

وبالطبع، أدت رسوم الازدحام المطبقة، منذ سنوات طويلة، إلى تخفيف حدة الازدحام على وسط المدينة.

لكن لندن تفاخر بشبكة مواصلات عامة تعد ضمن الأفضل في العالم، بالنظر إلى محدودية مساحة المدينة والزيادة الكبيرة في عدد سكانها وزوارها.

مواصلاتها آدمية، لا تنقلب براكبيها أعلى الكوبري أو عند الدائري أو عند طلعة المحور.

تسعيراتها معروفة ومحددة سلفاً، ولا مجال لسائق بلطجي يفرض زيادة أو متخصص جباية يحصّل إتاوة.

ومواصلاتها ليست حكراً على الرجال دون النساء، فهي ليست قوة طاردة للنساء؛ حيث التحرشات المزمنة أو اتهامات للمتحرش بهن بأن ملابسهن غير محتشمة، ولذا وجب التحرش، أو أن الأفضل لهن أن يقبعن في بيوتهن.

كما أن دافعي الضرائب يعتبرون توفير المواصلات العامة اللائقة والمناسبة حقاً أصيلاً لهم.

ومن الحقوق الأصيلة أن تبحث الدولة عن مصادر مالية لصيانة شبكة الطرق الرائعة التي تحيط بنا في كل مكان.

ولأن هناك الكثير من القيل والقال هذه الأيام عن "بوابات" لتحصيل رسوم تقع قبل مداخل الشروق ومدينتي وبدر وهليوبوليس الجديدة للقادم من جهة القاهرة، فإن هناك الكثير من الهرج والمرج في الأجواء.

هناك، بالطبع، السمة الأصيلة الرافضة لسداد أية رسوم في المطلق، وهي سمة عتيقة عتيدة تبدأ بالمياه التي بُني العرف الشعبي على اعتبارها "ببلاش"، مروراً بالسلع الغذائية المدعمة، على اعتبار أن واجب الدولة تغذية الستة والسبعة والثمانية مواليد التي يقرر البعض إنجابهم، وانتهاء باستخدام الطرق التي يتكلف بناؤها تريليونات لا تتوفر للدول النامية والخارجة لتوها من عقود من الفساد وسوء استخدام الموارد. لكنْ، هناك في حالة الهرج والمرج الدائرةِ رحاها عامل معلوماتي مفقود. فحتى اللحظة لم يخرج مسؤول ليؤكد أو ينفي أو يشرح ما يجري، وهو ما يمثل أرضاً بالغة الخصوبة للشائعات والقيل والقال.

وفي حال سيتحتم على سكان هذه الأماكن سداد مصروفات لعبور الطريق، سواء يومية أو شهرية أو سنوية، فإن الأقلية التي لا تمانع - وأنا منها- تطالب بخدمات في المقابل: صيانة علمية دورية للطرق، ورقابة مرورية صارمة للقيادة المميتة والسير العكسي والجنوني على مدار ساعات اليوم الـ24، ومنع الحمير والكارو والتروسيكل والسيارات السوزوكي "التمناية" من الطريق تماماً، كاميرات مراقبة تعمل، وليست منظرا فقط، ورادارات لمراقبة السرعات، وخدمات إسعاف ومحطات وقود، ولوحات إرشادية غير مضللة... إلخ.

كما أن العدل والإنصاف يقولان إنه في حالة تم فرض هذه الرسوم، فينبغي قبلها أن يتم التأكد من وجود وعمل وكفاءة شبكة مواصلات عامة آمنة ونظيفة ومستدامة، وعليها رقابة صارمة شكلاً وموضوعاً.

جميعنا يعلم أن زمن "العيشة البلوشي" ولّى وأدبر. وجميعنا يعلم أن الدولة تبذل قصارى جهدها لتعويض ما فاتنا من تنمية وبنية تحتية وخدمات أساسية.

لكن جميعنا يعلم أيضاً أن دافعي الضرائب لهم حقوق، وهذه الحقوق تتمثل في التوقف الفوري عن تمويل العائلات التي تنجب بلا هوادة أو في دعم مؤسسات حكومية هي والعدم سواء.

المواطن المسؤول مستعد لدفع الرسوم بالمعقول، لكن يطالب أيضاً بالحقوق.
نقلا عن مصراوى