د. مينا ملاك عازر
تمتعت بريطانيا فيما سبق الحرب العالمية الثانية بما أسموه المؤرخين العزلة المجيدة، كانت بريطانيا تظن فيها أنها في مأمن عما يجري بالقارة العجوز أوروبا، وأن بمقدورها العزلة، وحاول رجال الإخوان والأنظمة الموالية والمساندة له والخالقة له وضع مصر في عزلة بعد الإطاحة بهم في الثلاثين من يونيو، والآن أرى بعين عقلي أن الغد سيشهد أغلب الأمر عزلة عتيدة للسلطان العثماني الممسك بتلابيب حكم تركيا الطاغية الجديد.
 
واسمح لي الآن عزيزي القارئ، أن أوضح أن أردوغان يهاجم روسيا بسبب موقفها في ليبيا من ممالأة حفتر، فسدد أقوى العبارات لبوتين القيصر الروسي العتيد، والذي غير الدستور لإبقاء نفسه على سدة الحكم هناك أبد الدهر، ثم وجه أشد النقد للرئيس الفرنسي ماكرون الذي لم يكن معجب بمواقف تركيا في ليبيا أيضا وخرقه لقرارات برلين، وبالتالي العلاقات الألمانية التركيا لن أقول ساءت بسبب خرق الأتراك قرارات برلين لكنها ازدادت سوءاً على سوئها، والفجوة تزداد رويداً رويداً بين الجانبين، ناهيك عن فجوة واضحة بين الأتراك من جهة والاتحاد الأوروبي بأكمله، أما الرئيس ترامب فتلقى هجوم لاذع من أردوغان بسبب مواقف ترامب الأخيرة من المنطقة، ناهيك عن بذاءات أردوغان تجاه مصر وصفاقاته ضد رجال الحكم بالخليج والمملكة العربية  السعودية، كل هذا يضاف له مواقفه العنترية التي اتخذها من إسرائيل، كما أنه يشاغب مع إيران في سوريا ويهدد باقتحام أدلب التي كاد يستعيدها الجيش السوري المدعوم من إيران وروسيا بالمناسبة. 
 
هذا يعني وبوضوح أن أردوغان سياساته الخارجية باتت ممقوتة في ليبيا وسوريا وحتى داخلياً، أي داخل بلاده، ناهيك عن مقت تاريخي يجمعه مع قبرص واليونان وشركات التنقيب عن الغاز والبترول في مياههم الإقليمية بسبب إصراره على الصراع على ما ليس له، وبسط نفوذه فيما وراء أعالي البحار، وهذا يؤكد أن أردوغان قد كسب من الأعداء أكثر مما كسب من المواقف والأرض، وبعد أن كانت مصر المهددة بعزلتها إفريقياً وعالمياً، بات هو المتجه وبإرادته الحرة نحو العزلة العتيدة، وأكاد أراه يشنق نفسه بنفسه، ويلف حبل الانتحار حول رقبته بمحض إرادته المجنونة، وشبقه للسلطة وشغفه بدعم الإخوان الذين ربما يتخلون عنه سريعاً ويقفزون من مركبه التي قد تغرق داخلياً قبل خارجياً وانظروا لرجال حزبه المنشقين عليه والمكونين حزب منافساً بمنصة منافسة معارضة له، أحمد داوود أوغلو وبابا جان وعبدالله جول، وهذا ما ينذر بالخطر الدهم الذي قد يقتلع أردوغان وحكمه من جذورهما.
 
المختصر المفيد تيجي تصيده يصيدك بحماقتك.