محمد حسين يونس
يدهشني .. أننا في منطقتنا لم نتغير عبر الأف السنين لازلنا نعيش في الخيال أكثر من الواقع .. إنه مرض توارثناه .. أن نقاوم الظلم و الجور و الديكتاتورية بأحلام اليقظه و ندونها في أدابنا التراثية نتداولها كما لو كانت حقائق .. حدثت بالفعل

المجتمع الاستبدادى عالج دوما تناقضته اللانسانية بمسكنات القصص و الحكايات التي كانت اشهرها الف ليلة و ليلة .. حيث انتفض المجتمع (في الخيال ) علي ديكتاتور مخبول فاسد يتحكم في حياة أبناء شعبه (يحي و يميت ) و يعذب في سجون تشبه تلك التي استبقاها عبر التاريخ حكام العراق و السودان و مصر و ليبيا و باقي دول الشرق ، سجون تحت الارض تصل الي زنازينها بمشقة و تخرج منها بمعجزة .. فاسدة الهواء تمتليء بالحشرات و الهوام التي أخطرها جلادون أغبياء و مرضي علي شاكلة مسرور السياف لا يستمعون الا الي نداء سيدهم.

الهروب من واقع مؤلم لإصلاحه بأحلام اليقظة حيلة يستخدمها العقل الباطن الجمعي ليمكن الانسان المحبط من مداومة الحياة مع قهر و استبداد عالم فاشستي يهدر كامل انسانيتة عندما يسعي لتأمين لقمة عيش مغموسة بالذل يتحكم فيها بشر قساة شوهتهم السلطة المطلقة .

مؤلف (او مؤلفي ) الف ليلة و ليلة استخدم وسيلتين لمقاومة الاستبداد .. إحداهما المرأة الذكية الصبورة الثائرة علي تهميش بنات جنسها و تشيئهن بحيث يتحولن الي مصدر لمتعة الديكتاتور، يتم التخلص منهن بمجرد امتصاص رحيقهن ..

شهرزاد هنا تذكرنا بسيدات كان لهن نفس الدور في الادبيات الاسطورية (استير) في الكتاب المقدس روضت (احشويرش) و( ايزيس) أحبطت مخططات (ست) .. و أخواتها من ربات زمن العائلة الامية التي كانت فيها الام ربة الحياة، الارض، السماء، التجدد، المعرفة و الاستقامة و العدل .

الوسيله الثانية لمقاومة الاستبداد كانت استخدام الجان، السحرة، المردة القادرة علي صنع المعجزات فتنقل الصياد الفقير بلمسة اسدعاء لخادم خاتم سليمان الي مالك لكل ما كان يحلم به ..أو الصعلوك المهمش الي ساكن للقصور ينعم بالطعام الوفير و الاموال و الجوارى و العبيد الذين يخدمونه بأمر من جني مصباح علاء الدين ثم ينتقل هؤلاء المهمشون المهانون المذلون بعد ذلك للسلطة بعد ان يتفوقوا بقوة الجان علي الامبراطور، الامير، الملك أو الخليفه أو اى استبدادى شرقي حكم هذه البلاد .

بمعني أن المؤلف ( الشعبي ) خلق من يستطيع المقاومة في الخيال وكن في الغالب سيدات بارعات يملكن الذكاء و الدهاء والامومة .. وخلق للرجال معجزات سحرية تجعلهم يتغلبون بها علي الاعداء مثل مصباح علاء الدين و طاقية الاخفاء و خاتم سليمان .. ثم في الادبيات التوراتية عصا موسي و جان سليمان و باقي المعجزات و الخوارق التي يتداولها الناس علي أساس أنها إنجازات ..

في الزمن الحديث هل حل التلفزيون و السينما مكان راوى الف ليلة و ليلة .. نجلس بالساعات نرقب ثورات لم تحدث و إنتقامات لا تتم .. و عدالة ناجزة غير واقعية ..و إنجازات شكلية .. لا قيمة لها في تغيير حياة الشعوب ولا تنهي معاناتها .. و حلم رخاء لا يأتي .. و ثراء مادى قادم من باطن الأرض أقرب للتمنيات أكثر من الواقع ...أم هي جينات تجعلنا نقبل الظلم و الجور .. و نهرب منه بأحلام اليقظة ...

لا أعرف و لكن من الغريب أن يستمر الإستبداد الشرقي يحكم منطقتنا بنفس الإسلوب رغم أننا وصلنا حتي القرن الحادى و العشرين