نشوى الحوفى
مولانا «خط أحمر»! هكذا سارع البعض للرد على كل مَن قال رأيه فى تعليق شيخ الأزهر على رئيس جامعة القاهرة! وردَّ عليهم آخرون بشعار «الأزهر عائد بقوة»! وأيَّدهم فريق ثالث بعبارة «ارفعوا أيديكم عن الأزهر»! وكأننا فى معركة وجب الانتصار فيها لأنصار الأزهر! وكأن شيخ الأزهر هو الأكبر، كما يقول مسماه. وهو توصيف لو كنت مكان شيخ الأزهر لقمتُ بحذفه، فلم يحمل أىٌّ من أئمة الفكر هذا اللقب، ولا حمله أنبياء الله، كما أن معناه يعطى الإيحاء بأنه لا كبير معه أو بعده. وهو فى النهاية بشر يمارس وظيفة ويتلقى عليها راتباً، وفقاً لقانون فى دولة ذات تاريخ تعرف قيمة المؤسسات، وتدرك أن الأزهر أحد مقومات قوتها الناعمة. أى أن الأزهر ليس بدولة داخل الدولة، ولكنه أحد ملامح تلك الدولة.

والواقع أن التأمل فيما نُشر من عبارات تحذيرية يوحى بأزمة فكرنا الحقيقية. فلو كان مولانا خطاً أحمر، فالنقد وإبداء الرأى ممنوع، وكأنه فوق البشر لا مراجعة له! دون أن يتوقف أصحاب التحذير لحظة لسماع الرأى الآخر، أو حتى سؤال أنفسهم سؤالاً بسيطاً مفاده: لو أنه ممنوع الاقتراب من التراث فلمَ عقد مولانا مؤتمراً عنوانه «تجديد الفكر»؟ ولو أن التراث خط أحمر لم كان تصريح وكيل الأزهر السابق -المؤيد للإخوان- عباس شومان فى عام 2015 بأنه تمت تنقية مناهج الأزهر من بعض الأحاديث وفى مقدمتها حديث «أُمرت أن أقاتل الناس»؟ حين برر الحذف بقوله يومها حتى لا يثير بلبلة! وما أعرفه هو إما أنه حديث صحيح فيوضح ويتم تفسيره، أو أنه حديث غير صحيح فيعلن حذفه!

ولذا فلا نقاش شيخ الأزهر ولا قراءة التراث خط أحمر، كما يروج البعض، طالما اعتمدنا على لغة حوار قائمة على الاحترام والمنطق كأسلوب، وعلى المعلومات والتاريخ كسبيل للفهم، أما ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة فتلك أكذوبة تخالف القرآن. بدليل تلك الآية: «اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ». فهى تؤكد حدوث الاختلاف واستمراره ليوم العرض على الله الذى هو الموكل بحسمه. وإلا ما كان من سبقونا ونتمسك بتراثهم اليوم قد أقدموا على ترك ما تركوه لنا. فالأئمة الأربعة على سبيل المثال لم يبدأوا إعمال الفكر فى الدين إلا فى بدايات القرن الثانى الهجرى، وهو ما استمر حتى منتصف القرن الثالث، فهل نتساءل عن حال المسلمين طوال قرن من الزمان وكيف عاشوا؟ هل نتساءل ولمَ ظهر أئمة أربعة ولم يكتفوا بأحدهم؟ ولكنه إعمال العقل الذى أُمرنا به فى عشر آيات القرآن ودون خوف، لأنه الأمانة التى سنحاسب عليها، ودون قصرها على أحد، كما يحدث اليوم. فهل حينما أنقد حديث شيخ الأزهر حينما قال إننا أمة وضعت قدماً فى الصين وأخرى فى الأندلس بالتراث الذى ننتقده، أكون قد تجاوزت الخط الأحمر للشيخ والتراث؟ بالطبع لا. لأن ما قيل يحمل فهماً خاطئاً لوضع القدم، وخلطاً للدين بالسياسة التى طالب شيخ الأزهر بإبعادها عنه. وتصر على استخدام مفهوم الفتوحات الإسلامية بينما الإسلام منها برىء. فالرسالة المحمدية لم تأتِ لفتوحات، ولكنها جاءت لإتمام مكارم الأخلاق ودعوة لله بالموعظة الحسنة، ومقاومة المعتدين، أما غيرهم فلا سلطان لدين امتلك القوة عليهم. أما وجود المسلمين فى الصين فكان بحكم إمبراطوريات زمانهم. ووجودهم فى الأندلس كان توسعة وفرض قوة وقت طارق بن زياد، ومهرباً من سيف العباسيين فى زمن عبدالرحمن الداخل الأموى. فكانت السياسة هى المتحكمة لا الدين. وفى خِضم كل هذا كان لكل بلد فكره واجتهاده وإلا ما كان «الشافعى» قد غير فتاواه من العراق إلى مصر.

أظهر الحوار أزمتنا فلم يلتفت أحد لبيان المؤتمر.
نقلا عن الوطن