حوار .. محرر المنيا
أكد الباحث إسحاق إبراهيم الباجوشي مدرس علم المخطوطات القبطية بمركز مار مرقس للدراسات الليتورجية بالقاهرة في حوار خاص للأقباط متحدون أن الأنبا بيشوي وهو من تلقبه الكنيسة بالرجل الكامل حبيب مخلصنا الصالح أو "بيشوي الأرمي" نسبة لأرميا النبي، ولد في شنشا بالمنوفية الحالية وذلك عام 320م وله من الأخوة ستة بنين وكان بحسب الميمر أضعفهم بنية ونحيف الجسم، وجاء في سيرته أن الملاك ظهر لأمه وطلب منها أن تعطيه ابن من أبنائها ليخدم الرب فكانت إجابتها كقول العذراء "هوذا أنا أمة الرب خذ أبنائي كلهم"، ولكن الملاك وضع يده على المختار من الله وهو بيشوي.
 
أضاف الباجوشي وهو الباحث ماجستير في معهد الدراسات القبطية بالقاهرة ولما بلغ العشرين من عمره أنطلق إلى برية شيهات ميزان القلوب، وتتلمذ على يد القديس بموا معلم الأنبا يحنس القصير صديقه، وكذلك كاتب سيرته، ومع أن القديس الأنبا يحنس كان قمصاً لبرية شيهات إلا إنه كان يتعلم ويأخذ برأي القديس الأنبا بيشوي ويجله وهذا ما يوضح من السيرة، في مجيئهم إلى أنصنا.
 
• ورد في سيرته عن كثرة نسكه وصلاته، إنه كان يُعلق شعر رأسه في سقف القلاية (أي المغارة) وهي المعروفة باسمه في دير السريان، وورد أن السيد المسيح له المجد ظهر له في شكل فقير عبر عليه في سكناه كسائل وعابر طريق، فغسل قدميه وكان ذلك ببرية شيهات.
 
أشار الباحث حدثت الغارة الأولى على برية شيهات في 407م فترك الأنبا بيشوي البرية وأتى لجبل أنصنا حيث كان له صديق قديم لعلهما تراسلا في الأقوال والتعاليم الآبائية وهو الأنبا بولا الذي من طموه، فأتى وسكن في هذا الجبل وتحديداً في وادي النخلة والذي عُرف فيما بعد بدير النخلة، ثم أُطلق عليه دير الأنبا بيشوي وكان هذا الجبل كخلية نحل تسبيح وعمل وخدمة وكرازة وتعليم.
 
لفت مدرس علم المخطوطات انه لم يكن الأنبا بيشوي ناسكاً فحسب بل درس الفلسفة المسيحية وتعمق فيها وهذا ما جعله يستطيع أن يرد على البدع التي انتشرت في عهده بين بعض الرهبان في الصعيد، والذي جعله يثبت على أمانته في جو ملبد بغيوم الماليتية "نسبة لمليتيوس أسقف أسيوط" منها ما قاله الراهب عن إنكار لاهوت الروح القدس فعلمه ورده بالمثال والحكمة والفلسفة، وصنع المقطف ذو الثلاثة أيادٍ، وتأسيسه ديراً يُعرف بدير العظام بجبل أسيوط.
 
طلب منه الرهبان أن يروا السيد المسيح له المجد في هذا الجبل وهو كطلب السامرية للتوضيح عن الجبل الذي يُسجد فيه فأجابها المسيح أن الأب يطلب الساجدين بالروح والحق، وقد كان هذا الدرس عندما صعدوا للجبل ليروا الرب فلم يبالوا بفقيراً على قارعة الطريق، أما هو فحمله على كتفيه، رغم كبر سنه فقد قارب النياحة وكان عمره أكثر من تسعين عاماً، وهو يعطي درساً قوياً أن السيد هو الفقير الذي تخدمه وأن المسيح نفسه أشار إلى ذلك في إنجيله، ومما ورد في الفلكلور القبطي لدير البرشا من هتافات شعبية تشير إلى توارث هذا الأمر قولهم: "الأنبا بيشوي شال الديان، وجسده حي لحد الآن"، وكذلك قولهم: "يا أنبا بيشوي على الجبل صلينا أحنا النصارى والصلبان في إيدينا" ، "يا أنبا بيشوي على الجبل ركعنا أحنا النصارى والصلبان تبعنا"، "الأنبا بيشوي راجل مليان.. على جبلنا شال الديان".
 
• أما عن علاقته بمشاهير عصره من القديسين منها علاقته بمار إفرام السرياني وكيف تحدثا بدون مترجم عن آباء البرية وتعاليم مكاريوس الكبير، وكذلك علاقته بالقديس الأنبا بولا الطموهي، وعلاقته بالقديس الأنبا يحنس القصير، وبالكثيرين من آباء عصره.
 
• وقد أسس ديراً في المنطقة وفيه تأسست كنيسة صغيرة جداً باسم العذراء مريم ثم أُطلق عليها اسم كنيسة الأنبا بيشوي حيث تم إضافة رواق أخر وهو الأوسط حالياً باسمه، ثم رواق أخر لتصبح الكنيسة بنظامها الحالي ومساحتها الحالية.
 
• أما عن نياحة الأنبا بيشوي فقد تنيح يوم 8 أبيب عام 133 للشهداء، والذي يوافق تقريباً 15 يوليو عام 417م عن عمر سبعة وتسعون سنة، بعد أن قضى في الرهبنة سبعة وسبعون عاماً، ودُفن بجبل أنصنا عند منطقة تسمى "منية الصقر"، أو "منية السقار" ربما تكون هذه المنطقة هي الواقعة بين دير البرشا ودير أبو حنس حالياً، وأهتم الأنبا يحنس القصير بتجنيزه ودفنه وكذلك بكتابة سيرته وهذا ما جاء في المصادر المخطوطة.
• أما عن نقل رفاته فقد تم في عهد البابا يوساب الأول البطريرك 52 من بطاركة الكرسي السكندري، وعهد الأنبا يؤانس أسقف أنصنا وذلك في الجمعة الرابعة من شهر كيهك سنة 558ش الموافق 30 ديسمبر841م، وذلك في رئاسة القديس أرمياس لأديرة أنصنا، وربما يكون النقل هو بسبب خراب الدير حينذاك لفترة قصيرة  فيما خُرب في خلافة المأمون، وربما لكي يحج الناس لديره ببرية شيهات. 
 
• أما عن تأسيس الكنيسة ربما تأسست كما ذكرنا على عهد القديس نفسه أو قبله بقليل، ثم توسعت شيئاً فشيئًا ومما يلوح له أنه في القرن الثالث عشر أي بعد خراب أنصنا وأضمحلال أسقفيتها كان لهذه الكنيسة دوراً كبير في رعاية المسيحيين المُهجرين من أنصنا مع كنيسة الأنبا يحنس القصير، مما يُلوح أيضاً بدور الشيخ الرشيد أبو الفضل الذي رمم وأعاد عمارة الكنائس التي خربها الأيوبيين قبل عام 1209م في أقليم الأشمونين.
 
• وكذلك دور الأسعد إبراهيم بن المعلم سليمان مستوفي الديوان بالاشمونين في القرن الخامس عشر عن دوره في ترميم كنائس إقليم الأشمونين.
 
• أما عن الرهبنة في هذا الدير فهي تعود لأقدم من وجود الأنبا بيشوي والأنبا يحنس القصير في جبل أنصنا وهذا ما أشار اليه بلاديوس في التاريخ اللوزياكي.
 
• وهناك القديس بامون الذي أشار إلى القديس أثناسيوس الرسولي في زيارته لهذا الدير في 26 يونيو 363م، وبشره بأن من يطلبه قد مات، وكيف كان هذا القديس معروف عند آباء الكنيسة ورؤساء الأديرة منهم القديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس.
 
• وهناك العديد من الشخصيات والقديسين بهذا الدير منهم: القديس فويبامون القارئ الذي تنيح في سنة 422ش الموافق 706م، ويحتفظ دير الأنبا بيشوي بشاهد القبر الخاص به، والقديس أرمياس الذي أهتم بجسدي القديسين الأنبا بيشوي والأنبا بولا الطموهي وهو الذي أعلم الجميع بمكان القديسين في منتصف القرن الثامن الميلادي، وكذلك الكثير من القديسين الذين تسموا باسم بيشوي وبولا وأرميا وفيبامون نسبة للقديسين الأوائل الذين سكنوا المنطقة.
 
• وهناك العديد من النُساخ والمعلمين بالمنطقة في هذا الدير منهم المعلم يوسف عبد السيد القمص البياضي المهتم بمخطوط مؤرخ بالعاشر من أبيب 1562ش الموافق 1846م، ومخطوط أخر بتاريخ 1862م موقوفين على دير الأنبا بيشوي بجبل أنصنا مما يدل على سكناه بالدير ولم يكن اهتماما عابرًا، وكذلك المعلم كراس جرجس في أواخر القرن التاسع عشر وكلاهما أتقنا اللغة القبطية تحدثاً وكتابة إلى جانب العديد من العلوم القبطية الأخرى من صناعة الأحبار والورق والزخارف القبطية والحسابات الأبقطية.
 
• ومن الحوادث التاريخية الهامة بتاريخ هذا الدير هو دفن البابا يوأنس الخامس عشر البطريرك 99 المعروف بالملواني، والذي تنيح في الخامس من شهر النسيء 1346ش الموافق 1629م، ويشير البعض بدفنه في الكنيسة العلوية التي يُطلق عليها اسم مار جرجس، وقد ظهر هذا البطريرك لأحد الآباء في رؤيا ليلة عيده من عام 1713ش الموافق 1998م، وقد أشار المتنيح القمص دانيال بإكتشاف رفات داخل الكنيسة أثناء الترميم ربما يكون رفاته.
 
• وكذلك استشهاد أثنين من كهنة هذا الدير هم القمص أرسانيوس والقمص بيشاي الذان ورد عنهما بجريدة الوطن في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وتحتفظ الكنيسة برفاتهما، وأيضاً ينتسب لهذا الدير العديد من الآباء منهم القمص زخاري القمص فلتاؤس والذي كان له الفضل في تقويم العديد من المساجين بالتعاون مع وزارة الداخلية في قرية هور في النصف الأول من القرن العشرين، وإنشاؤه مدرسة للبنات إلى جانب مدرسة البنين، وكذلك مراسلة القمص سمعان القمص فلتاؤس لجمعية التوفيق وجمعية السيدات القبطية وتأسيس مدرسة أولية إلى جانب مدرسة قبطية سنة 1941م وكلاهما من خرجي المدرسة الإكليريكية الأوَّل.
 
• وقد أهتم الأنبا بيمن بعمل مقر له في هذا الدير ليكون قاعدة من أهم قواعد إيبارشية ملوي وأنصنا والأشمونين، ويواصل هذا الأهتمام الأنبا ديمتريوس وكذلك أهتم بسيامة الآباء الكهنة ومنهم الأب القمص دانيال وفقي الذي تنيح في عام 2017م بعمارة هذا الدير وتوسيعه وترميم البئر الأثري والكنيسة وتسجيلها في عداد الآثار وكذلك محاولة ترميم أيقوناتها ومخطوطاتها وأوانيها، وأنشأ العيد من المباني والملحقات الخاصة وكذلك إعادة إحياء المدرسة القبطية المُلحقة بالدير مرة أخرى، ويستكمل العمل الأب داود شحاتة
• أما عن مظاهر الأحتفال السنوي داخل الدير كل عام حيث يعتبر هذا الير وجبانته ملجأ للأقباط المحيطين من بلاد عديدة من ثلاثة مراكز وهي أبو قرقاص وملوي وديرمواس وقراهم، ويؤمه الكثيرين من طالبي العماد وشفاعة القديس ويحج إليه الكثير من الأقباط ويقصده أيضاً المسلمين، ويأتي ذلك على الصعيدين الكنسي والشعبي الكنسي بعمل نهضة روحية وتماجيد وعظات ليلية تنتهي بزفة الأيقونة والتمجيد وقداسات يومية وعماد الأطفال ويشملها جمع التبرعات والنذور، وعلى الصعيد الشعبي بسكنى الجبانات ويضم المبيت والترحم على زويهم وكذلك العيديد القبطيوالنواح، وأيضاً التسوق وبيع الحلوى والفول والحمص والمراجيح والملاهي ودق الوشم، ونحر الذبائح وكذلك طلوع الجبل وزيارة الآثار والتزاور، ومظاهر شعبية من الغناء والهتافات التي يشهدها الدير وزفة شعبية للأيقون ويمكنا من خلالها معرفة الدير ووصفه وقديسه حيث يقولون الهتافات السابقة عن القديس وكذلك قولهم: "الدير ده هو بأربع بيبان أتنين ورا واتنين قدام"، "يا أنبا بيشوي يا مليح يا اللي اختارك المسيح"، وغيرها من الهتافات والأغاني والمواويل التي يعمل الآن الكثير على دراستها.