مؤمن سلام

جمعتني في الأشهر القليلة الماضية لقاءات ببعض الإسلاميين، الذين يعتبرون أنفسهم الممثلين للإسلام الوسطي المعتدل وفقا لرؤيتهم. وقد لاحظت من خلالهم وجود أزمة فكرية كبيرة يعاني منها هذا التيار، وترجع في رأيي إلى سببين، الأول، هو التحدي الكبير الذي أصبح الفكر الحداثي بكل ألوانه وأطيافه يمثله للتيار الإسلامي من خلال ما تطرحه الحداثة من أسئلة على هذا التيار تتعلق بالتعامل مع الواقع المتغير بسرعة متزايدة، حيث فشل الإسلام السياسي في الإجابة عليها جميعا سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا، وثقافيا.
 
ثانيا، مثلت فترة حكم محمد مرسي وجماعته صفعة قوية لهذا التيار الذي فشل عملياً بعد أن فشل نظرياً في التعامل مع الواقع والإجابة على أسئلة التنمية والنهضة والتطور. وكارثية الفشل العملي لهذا التيار هي أنه فضح عدم قدرته على التعامل مع الواقع أمام الجماهير على عكس الفشل النظري الذي فضحهم أمام المثقفين والمفكرين فقط منذ زمن بعيد.
 
لذلك أصبح هناك مجموعات من شباب الإسلاميين تحاول الإجابة على الأسئلة التي فشل قادتهم التاريخيين ومفكريهم المعاصرين وجماعاتهم المسلحة وغير المسلحة في الإجابة عليها.
 
تتراوح هذه الإجابات بين ضرورة فصل الدعوي عن السياسي تحت شعار “شمولية الإسلام لا تعنى شمولية التنظيم”، وبين إجابات اقرب إلى العلمانية منها إلى الأصولية تتمثل في أن الإسلام لم يأتي بنظام سياسي أو اقتصادي محدد ولكن وضع قيم عامة، على نظام الحكم الالتزام بها ليكون نظاما إسلاميا، متخلين بذلك عن أطروحات الخلافة والشورى وأهل الحل والعقد. وهذه القيم الإسلامية التي تجعل الحكم إسلامي وفق هؤلاء، هي العدل والحرية، وهى قيم لا يختلف عليها اثنين.
 
والحقيقة رغم أن وجهة النظر هذه قد تكون جذابة لكثير من الناس وقد تسعد كثير من العلمانيين، إلا أنها مازالت تنم عن عقلية تعتقد أنها وحدها صاحبة الحق والخير في هذا العالم. فرغم أن هؤلاء يدركون أن قيم الحرية والعدالة والمساواة لا يختلف عليها أصحاب العقائد سواء كانت دينية أو لا دينية، ولا يرفضها عاقل سواء كان يميني أو يساري، إلا أن عقلية الاستعلاء مازالت تسطير على من تربوا في مدرسة الإسلام السياسي العنصرية. فقد زرع هذا التيار في عقول أتباعه ومريديه أن قيم الإنسانية هي ملكهم وحدهم ولهذا وجب نسبتها للإسلام فقط وحصريا، وليس تركها مشاع للإنسان باعتبارها ميراث إنساني ساهمت كل الحضارات على مر العصور في تطويرها وترسيخها.
 
لذا، فبالرغم أن هناك مؤشرات قوية على وجود أزمة فكرية حادة داخل تيار الإسلام السياسي قد تًنبأ بقرب تفسخ هذا التيار وتحوله إلى أقلية متطرفة مثل أي أقلية متطرفة موجودة في أي دولة في العالم، إلا أن وجود فكرة الاستعلاء وأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة وأن لهم الحق في اختطاف القيم الإنسانية لصالح الإسلام فقط، حتى عند من يدعون أنهم يمثلون ما بعد الاسلاموية، سيؤخر هذا الانهيار.
 
وتستمر المعركة من أجل مصر الديمقراطية الحديثة.