د. عاطف باخوم
في ليالي الشتا الزمهرير ده و الليل الطويل و المطر و الرعد و الزعابيب، هتلاقي معظم الناس بتجري علي بيوتها تتدفي...لكن فيه طبقة من الناس حياتها في الشارع: ناس من غير مأوي، من غير سقف، فارشين علي الكباري، اطفال شوارع، عمالة اطفال زي في الاشارات و بره السينيمات و المسارح يمسحوا جزم و يبيعوا ورق مناديل و سجاير و كده، غفر بيحرسوا حراسات ليل، عمال تراحيل بيشتغلوا في الفاعل و متأخرين في الموقع...

هتلاقي الناس دول لموا شوية اغصان شجر ناشفين علي شوية ورق قديم، علي شوية كسر خشب و يكوموها هرم صغير و يولعوا تحتها...او يحطوا كل ده في صفيحة مخرمة (علشان الهوا يدخل) و يولعوا فيها - و اوقات يولعوها بشوية سبرتو...هتلاقي مثلا غفير قاعد لوحده قدام النار، و ده تلاقيه رابط راسه و ودنه بتلفيحة، حوالين طاقية صوف (بتاعة الحرامية اللي في الافلام دي)، و تلاقيه لابس كذا جلابية فوق بعض و عليهم بالطو غامق في العادي كحلي او زيتي او رمادي غامق، و لابس جزمة برقبة زي البيادة بتاعة زمان....و تلاقيه مادد ايديه الخشنين للنار يتدفي - ممكن تلقي ظفر طاير او صباع او اتنين طايره عقلهم برضه من الشغل اليدوي الجامد...و تلاقيه متنح للنار بيتفرج علي ألسنتها بتتلوي، و كل شوية يزود حتة خشب...و بما انه لوحده فتلاقيه بيتونس بالنار و بيكلمها و يشكيلها... منظر النار ده له تأثير منوم مغناطيسي- صوت طرقعة الخشب، مع تمايل حركة السنة النار مع الدفا في عز السكون في الكحل، شوية و تلاقيه طلع من جيب البالطو علبة سجاير كليوپاترا (و يقولك عليها العامة كولوباترا و دي السجاير المحلية الحامية الشعبية) و سحب سيجارة (سوجارة) و قرب بوزه من النار يولعها..و الليل يخلص، سيحارة ورا سيجارة، و حتة خشب ورا حتة خشب...

اما بقي لو مجموعة فواعلية سهرانين في موقع تحت كوبري مثلا، فدول ليهم طقوس تانية: تلاقيهم عاملين دايرة حوالين النار، قاعدين مقرفصين علي الارض او قاعدين علي طوبتين فوق بعض او شكارة اسمنت او بالكتير فارشين كرتونة علي الارض الساقعة، و مادين ايديهم يدفوها، و يعملوا الشاي في ابريق صاج صغير معضعض علي النار و يصبوا لبعض في كوبايتين ازاز صغيرين يسموها خمسينة غالبا علشان بتشيل 50 سم بس؟...و يشربوا الشاي علي دورين...و ده بقي شاي السهيرة اللي هو نص الكوباية شاي و النص التاني 5 معالق سكر - لدرجة تلاقي السكر خلاص مش بيدوب و مترسب في القعر، و فوق خالص شوية ميه بس!...و بما ان الليل طويل، فهتلاقيهم يتساهروا و يرغوا و يجيبوا في سيرة كل حد و كل حاجة، و يتكلموا عن ذكرياتهم و يتكلموا عن احلامهم، لنفسهم و لعيالهم...لكن يفضل الحنين للاهل و البلد هو القاسم المشترك، لدرجة ان البعض ممكن عينيه تتملي دموع و بكم جلابيته المتربة يمسح وشه و يقعد الرجالة يطيبوا في خاطره...يصبروا نفسهم علي الغربة و أهي ايام و هتعدي...فاللي حافظ حاجة للشيخ ياسين التهامي يقول...و اللي حافظ حاجة للريس متقال و للا لصبري المنياوي يقول...و اللي حافظ ترانيم يقول...و اللي حافظ حاجة لام كلثوم يقول...و بما ان معظمهم بيكون جاي من الارياف، فالقعدة دي هي اللي بتصبر النفر علي العيشة...

ياما بيبقي نفسي انزل اقعد و اتدفي معاهم...اتدفي بيهم و بحكاويهم و بشجنهم...اتساهر معاهم لغاية فجر ربنا...قوللي بقي: برد الجو و لو صقيع اهو مقدور عليه، انما برد القلوب ده هتعمل فيه ايه؟...في الوحشة دي، معقولة دفا النار يكون اقرب للقلب...معقولة النار تبقي أونس...اونس للناس من قلوب الناس!

#قصاقيص_سنكحة_شعبية_عاطف_باخوم