محمد حسين يونس
مراكز القوة في مصر أصبحت منذ فترة طويلة خمسة .. قوات الامن و البوليس السياسي (أمن الدولة ) مضافا لها منظومة القضاء المطعم بضباط بوليس سابقين .. ثم القوات المسلحة و البوليس الحربي و القضاء العسكرى و ظهيرها الاقتصادى بالغ التأثير..

ثم المسئولين عن إدارة الدولة و القطاع العام و البنوك فيما يطلق عليهم الدولة العميقة ..وأجهزة البث و الدعاية والاعلام العام و الخاص وتشمل المساجد و الكنائس ..و أخيرا و ليس بأخر رجال الاعمال ممتلكي الثروات حتي لو كان معروفا أنها جاءت بإسلوب غير شرعي مثل زراعة و تجارة المخدرات أو تهريب السلاح و الاثار أو السمسرة و العمولات .

هذى القوى حاول عبد الناصر في نهاية فترة حكمه تخطي بعضها فلجأ الي التنظيم الطليعي و الاتحاد الاشتراكي و لكنها أسقطت تجربته الوليدة.. و حاول السادات تغيير طبيعة بعضها فإغتالته .. و عندما داعبها مبارك إحتفظت به حتي حاول ولدة جمال تجاوز بعض الخطوط الحمراء فأطيح به و بوالدة و والدته و أخوه ..

أما رئيس السنة الواحدة فقد تخيل أن تنظيم الاخوان وشلة المرشد قوة بديلة كافية للسيطرة علي مقاليد الحكم فتم سجنه حتي الموت ..هو و المرشد و الجماعة

الرئيس الوحيد الذى إمتلك جميع هذه الخيوط .. و أسس بينه و بينها علاقة وجود منذ اليوم الاول .. كان الرئيس السيسي ... فهو قادم بتفويض من المجلس الاعلي للقوات المسلحة و حقق لهم سياسات و أهداف كان من الصعب تنفيذها في غير هذا الزمن .. أهمها .. تنويع مصادر السلاح و شراء بعض مما يعرض في السوق من أسلحة حديثة و متطورة مرتفعة الثمن .

و هو قد أعاد الاتزان لمجمل دخل الضباط خصوصا كبارهم .. و وصل لاتفاق مع الاسرائيلين يسمح بتواجد قوات مسلحة كثيفة في سيناء .. و إستعاض بالقوات المسلحة عن مؤسسات الدولة العميقة لأداء المهام السياسية و التصنيعية و الانشائية.. فأصبحت تتحكم في مساحة واسعه من الاقتصاد القومي و لم تترك مجالا مدنيا واحد لم تطرقة ..

الجيش في كل مستوياته سعيد بإبنه.. والرئيس لا يثق إلا في أصحاب الزى الكاكي المزركش المموه الذين تتزايد أعدادهم عام بعد أخر .

ثم أن الرئيس لم يفرق في المعاملة بين ولدية التوائم (الجيش و الشرطة ) فكل ما قدمه للإبن الاول .. حاز علية الثاني .. أسلحة ومعدات متطورة .. تغيرات في مجمل دخل الضباط .. عناية بالجنود خصوصا العاملين بالامن المركزى ..نصيب من أداء الأعمال التي تتصل بالاقتصاد المدني بالأضافة الي النوادى و المستشفيات و الرحلات و الاسكان ..و توسيع الالتحاق بالكليات و المعاهد الشرطية .

و لقد أضيف لها عناية خاصة بأجهزة أمن الدولة .. و الرقابة الادارية .. و سمح لهم قانون الطوارىء بصلاحيات واسعة .. تخترق كل ركن من أركان الحياة المدنية و الاجتماعية و الثقافية و العلمية .

أما بالنسبة إلي أجهزة البث والدعاية ..و الحياة الدينية المسلمة و المسيحية .. فقد تم عمل تحالفات واسعة مع حزب النور و الازهر و رجالة ..و علي نفس الخط تمت تحالفات مع بابا الاقباط .. مع القيام بزيارات ودية للبطريركية في أعياد الميلاد .. و إقامة أكبر كنيسة و أكبر جامع متجاورين في العاصمة الادارية الجديدة .

الصراعات التي تحدث بين أبناء الشعب علي مفهوم إختلافات دينية يتم تجاهلها و عدم حسمها خصوصا لو كان الامر يتصل بإدانة المتعصبين السلفيين . و لقد نجح النظام خلال مدة محدودة في تحويل كل القنوات الفضائية و الجرائد و المجلات إلي نشرات حكومية تعرض رأيا واحدا هو رأى القيادة .

الاستثمار الاقتصادى كان من الممكن أن يتضرر بسبب المساحة الواسعة التي تسيطر عليها القوات المسلحة .. و لكن الذى حدث هو عكس ذلك تماما فقد إرتضي الجميع أن يقود المسيرة الهيئة الهندسية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة التي لديها تسهيلات غير متوفرة للوحدات الاقتصادية الاخرى .فتسابق رجال الاعمال لمشاركتهم أوالتعاون معهم كموردين أو مقاولي باطن .. أو إستشاريين .. وقبلوا قوانينهم في الادارة .. و توافقوا مع أساليب تمويل أعمالهم .. و أهو كله في صالح البلد و مصر'> تحيا مصر ثلاث مرات.

أجهزة الحكومة و البنوك و الشركات .. كان أمامها طريق من ثلاثة ..الاندماج و تحصيل مكاسب و أرباح مرتفعة خصوصا شركات المقاولات و الاستثمار العقارى ..أو الفساد الذى طال شرائح عديدة أغمضت الاجهزة أعينها عنهم ( رغم عشرات القضايا التي نطالع عنها يوميا بالجرائد ).. أوالصمت و الاستسلام و الحفاظ علي لقمة العيش مهما كانت ضنينة .

المتأمل لما حدث خلال السنوات السبع الماضية .. يجد أن الحكام كانت لديهم خطط واضحة .. غير معلنة تتصل بأمرين .

اولا : إظهار أن كل الخطوات تتم بإسلوب شرعي عن طريق برلمان ( منتقي أفراده ) و حكومة ( ريال ستيت ) مرتبطة بأجهزة التمويل العالمية .. مع إشاعة الامن و السكون بين الناس و العودة لحالة الهدوء الجبرى الذى صاحب فترة حكم مبارك ..و ذلك بتأمين مراكز القوة .. وتهميش الناشطين السياسين بحيث يصبح بعدها الشعب فرادى لا يعتد بعدم رضاهم .وهذا تم بنجاح علي مستوى الوادى .. لكن لا زالت الامور غير مستقرة في سيناء ..

الثاني : تنفيذ خطط صندوق النقد و البنك الدولي (ريفورم إقتصادى ) التي فشل جمال مبارك في تحقيقها و تردد من جاءوا بعدة ..و لم يقم بتنفيذها إلا مجموعة الرئيس السيسي الاقتصادية و الاجتماعية بعدما تأكدت أن الشارع قد خلي من قوى المعارضة ..أو المناوئة أو التي قد لا تتفق مصالحها مع السياسة الجديدة .

وها نحن مدينين ب108.7 مليار دولار .. و ترليونين قرض داخلي ندفع أغلب دخل الحكومة فوائد للدائنين ..و الشعب محمل بزيادة الاسعار المغالي فيها و إنخفاض قيمة العملة المحلية .. و دفع ضرائب و رسوم تضاعفت مرات و مرات منذ أن بدأ تنفيذ النظام الجديد .و الامور مستقرة و عال العال .. و ستكمل الحكومة ( ريفورمها ) رغم أنف التخين .

يسألني البعض .. أنتم كأسرة .. لم ينخفض مستوى معيشتكم .. رغم الغلاء .. و رغم كل الأحداث التي تتم حولكم .. فلما نبرة الصراخ و التنبيه و الأحزان التي تطل من بوستاتك ..

نعم لم نتأثر .. وذلك لاننا (بحكم السن ) خفضنا إحتياجاتنا للحد الأدني الضرورى .. و لاننا كأفراد الأسرة نعمل جميعا و نكسب عيشنا بالجهد و المشقة .. و لاننا لا نطمع في أن نغير مقر إقامتنا و ننزح للكومباوندات الأحدث .. أو نسافر للخارج من أجل السياحة .. و لاننا لا نسكر و لا نلعب قمار أو نتعاطي المخدرات .. و لا نذهب لأماكن إستفزازية الأسعار .. و لانه لم يدخل منزلنا في يوم ما قرش لا نستحقة .. لقد كسبناها بعرقنا .

عموما لم يكن هدفي الحديث عن واقع الحال اليوم .. و لا إنتقاد السياسة القائمة ..و لا البكاء علي الاطلال .. و لا جلد الذات .. و لكن(فقط ) تعليل لسبب أن بدرنا لم يعد ينير بين الامم .