بقلم د. عايدة نصيف

من الأمور المؤسفة أن نجد بعض القيم الهامة تنهار، وأصبحت الكلمة للصغار دون الكبار، بحيث صار كل متخرج من الأمية الثقافية يَحسب لنفسه كاتب عظيم وهو فى الحقيقة من أهل الانغلاق الفكرى، بل ويزاد الأمر كارثة عندما تروج بعض المنابر الإعلامية لهؤلاء الصغار الذين يهدفون إلى إفلاس وتخريب المجتمع من ثقافته الأصيلة وعادته وتقاليده
 
والدليل على ذلك عندما يتم طرح سؤالاً على جيل النشىء وهو جيل المستقبل ماذا تعرف عن أهراماتنا الثقافية الحديثة والمعاصرة من أمثال: محمد عبده، وطه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وسيد درويش، وسلامة موسى، وغيرهم الكثير من الرموز الثقافية الأصيلة التى شكلت ايدلوجية تنويرية؛ فلا نجد إجابة ولا حتى معرفة سطحية بتلك الأسماء اللامعة فى تاريخ مصر الحديثة، وكأن ما يحدث هو تخريب متعمد لتفريغ مضمون الهُوية الثقافية لمصر بل هو تخريب للقضاء على الوعى المصري، هذا الوعى الذى يمثل لمصر رمانة الميزان على مدار التاريخ والزمان فى كل الكبوات التى تعرضت لها وخرجت منصورة بفضل الوعى المتأصل فى العقل المصري، فإذا كانت الأهرامات دليل على عظمة مصر القديمة فأن هؤلاء الرموز هم أهراماتنا الثقافية الحديثة.
 
وأطرح السؤال إلى عزيزي القارئ هل محاولة القضاء على فكر هذه الرموز هو هدف متعمد لانهم أصحاب هوية تنويرية ومشروعهم تقديس العقل وأهميته فى بناء هذا الوطن ، أمثال طه حسين وسلامة موسى وغيرهم؛ فقد خلت المدارس من الطلاب وهى المكان الذى يربى فيها الجيل منذ الصغر واصبح مكانهم فى مراكز الدروس الخصوصية فى أرجاء مصر ، بل تراجع دور وزارة الثقافة من التأثير فى القطاع الشعبي وهو المركز بالنسبة لمصر، وأعول على دور الإعلام فى معظمه والذى اصبح تأثيره سلبى، بالإضافة إلى تراجع دور الفن وتصدير نماذج سيئة للشعب المصري عبر المسلسلات وبعض الأفلام والبرامج ولا رقابة على ذلك ، والهدف تفتيت الهوية الثقافية والتى تعد أحد أعمدة أي مجتمع.
 
فالهويّة الثقافيّة عبارة عن عددٍ من التراكمات الثقافيّة والمعرفيّة، سواء كانت تلك المعارف تأتي انطلاقاً من تقاليد وعادات في العائلة والمجتمع المحيط به، عاشها الفرد منذ لحظة ميلاده فكانت الأساس في تكوينه طيلة أيام حياته، وأصبحت جزءًا من طبيعته، بالإضافة إلى أن مصطلح الهُويَّة الثقافيَّة يماثل أو يتقاطع مع مصطلح سياسة الهويّة؛ حيث إنَّ الهويَّة هي ذات الفرد، وتتضمن في معناها عددًا من القيم والمعايير، وتُشكّل ثقافة الإنسان ومدى معرفته في عددٍ من المجالات المختلفة، إضافةً إلى إلمامه ووعيه بالقضايا المحيطة به في المجتمع، حيث إنّها تمثّل التراث الفكري له بل هي المُعبر الأساسي عن الخصوصيَّة التاريخيّة .
 
ومحاولة العبث بالهوية الثقافية أراها حملة مُمنهجة تسير ببطىء ولكنها اكثر فاعلية ، للقضاء على مفهوم الهوية الثقافية بل الهوية الوطنية المصرية والتى تحمل فى طياتها العادات والتقاليد والحضارة والتاريخ ولذا أقول علينا الانتباه فهويتنا الثقافية فى خطر