-١-
المصريون لهم طبيعة خاصة فى استقبال الأخبار التى تخص وطنهم. فإذا أمطرتهم بموضوع ما انصرفوا عنك! وإذا خاطبت عقولهم أنصتوا، وإذا خاطبت عواطفهم فتحوا مسام الأذن، هكذا عرفت المصرى الذى حدثنى عنه د. سيد عويس حين قال إن شعاره عبارة يذكرها الحس الشعبى تقول: «عض قلبى ولا تعض رغيفى»! وحين كنت أقول، وكان ذلك فى أواخر الثمانينيات، إن كارثة مصر فى «سكانها» الذين يتكاثرون بالمعدلات غير المنطقية، لم يكن يلتفت أحد أو يتوقف عند هذا الكلام. ووصفنى ممثل كوميدى بأنى «متشائم»!

وكان أن فاجأنا الكاتب الرصين «راجى عنايت» بأن العالم معنىّ بعلم جديد اسمه «المستقبليات». إنه يرصد المستقبل بالأرقام، والرقم لا يكذب. وبدأ المصريون مع ارتفاع منسوب الوعى يدركون أن الخطر القادم على مصر.. من سكانها. وحدث أن الحكومات استشعرت الخطر، فجاء منصب وزير الصحة والسكان. وأعرف وزير صحة وسكان لم يتطرق إلى قضية السكان طول بقائه فى الوزارة! وحدث أن صارت وزارة السكان وزارة مستقلة لكنها لم تكن سوى شقة وثلاث غرف، فأُلغيت..! وكتبت فى الموضوع مئات المرات وناقشته فى التليفزيون عشرات المرات، ويبدو أن الناس فقدوا اهتمامهم من «الإلحاح»!!

وأتوقف عند معنى بالغ الأهمية، وهو أمر يخص البلد فى كل مناحيه، ذلك هو: كيف نسوق للأمور الاجتماعية؟ ما الصيغة التى نتبعها إذا أردنا مخاطبة الشعب فى أمر داخل غرف النوم، وهو التناسل المتزايد الذى جعل الأستاذ كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى، يقدم مشروعاً بشأن الحوافز الإيجابية للأسرة المصرية المكونة من ٤ أفراد «أب وأم وطفلين أو أقل»، الذى يستهدف حث الأسرة المصرية على تقليل الإنجاب مقابل حوافز حكومية. وألزم القانون المقترح بإصدار قرار لزيادة نسبة الدعم التموينى على البطاقات التموينية النموذجية على أن تقوم وزارة التضامن الاجتماعى بتحسين نظام التأمين على كبار السن وتطوير الضمان الاجتماعى للمرأة حتى لا تفكر فى إنجاب الأطفال لتأمين ودعم الوالدين عند تقدم السن. هناك مميزات أخرى للأسرة النموذجية مقدمة من وزارة الداخلية وجهاز تنمية المشروعات عن طريق تقديم قروض دون فوائد وتخصيص أراضى الدولة للأسرة النموذجية.

-٢-

ذلك هو الموضوع الذى خلقه «السرير»، وعندما سألت كبيراً فى زمن سابق: إن الصين بتراقب الحوامل يا افندم وتغرمهن مبالغ طائلة، وقد تعرض مايسترو الحفلات الصينية إلى غرامة ضخمة ولم تشفع له خدماته للصين.

وقال الكبير عبارة لا أزال أذكرها، وهى تعبر عن الموقف الرسمى لمتابعة المشكلة: نحن لا ندخل غرف النوم!

ولابد من وجهة نظر محايدة بعيداً عن أثر الزيادة السكانية على بقاء وتقدم الأمم. فمن المؤكد أن التناسل هو ضرورة للحفاظ على الجنس البشرى، وهو حتمية لوجود الدولة وبقائها، لأن التراجع الحاد فى أعداد السكان يؤدى بالضرورة إلى تراجع القوة البشرية التى تدافع عن الدولة المتمثلة فى جيش يحمى حدودها، وإلى تراجع القوة البشرية التى تبنى الدولة وتدير عجلة الإنتاج، وتوفير الخدمات الأساسية لسكان الوطن، واستمرار هذا التراجع فى أعداد السكان قد يؤدى إلى انقراض السكان بطبيعة الحال، ومن ثم إلى زوال الدولة. وبالتالى فإنه من المنطقى أن تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على بقائها من خلال عدم انخفاض عدد سكانها، وإذا كان وجود زيادة سكانية فى أى مجتمع لإحلال الوفيات التى تحدث سنوياً وتجديد شباب هذا المجتمع وبقائه، يصبح السؤال: ما هو معدل الزيادة السكانية المناسبة؟ إن الإجابة البديهية: أن تتساوى أعداد المواليد والوفيات، وبالتالى يظل العدد ثابتاً. ولكن إذا فاق عدد المواليد عدد الوفيات فما هو تأثير هذه الزيادة على تقدم الوطن؟ الإجابة تقول إن الزيادة السكانية تؤدى إلى تقدم الأمم فى ظل شروط مهمة. وأنا لا أحتكر الحقيقة ولا أدعى أنى عالم اجتماع. ما أنا إلا كاتب «يلجأ إلى العلم من أجل حلول مشكلات». وقد عشت ردحا من الزمن أريد أن أزرع هذا الشعار فى العقل المصرى بالكلمة أو الصورة. ويوم قابلت د. ماجد عثمان، وجدت عقلاً مصرياً محترماً وموسوعياً يضع القضية فى ٦ كلمات محددة، هى: «الزيادة السكانية» هى ضمان لقوة الدولة أم معوق للتنمية؟

ومع احترامى الشديد لمبادرة عضو البرلمان كمال عامر الذى بادر وكسر الصمت حول الموضوع وحصل على مزايا من عدة وزارات لإدراكه أن الناس «تحب الجوائز»، وترحيب المصحصح د. على عبدالعال بإدراج الاقتراح المهم للإجابة على سؤال مهم، وإن كنت أقترح إضافة عقول مصرية تحت عنوان «العقل المصرى يشارك»، فإن دخول غرف النوم- رمزياً- يقينا كوارث قادمة. إن د. ماجد عثمان العقل المصرى المخلص لوطنه، هل جال بخاطره أن هذه «الثقافة السكانية» يجب أن تكون ضمن برامج التعليم من البداية لتصبح سلوك حياة.

-٣-

الغريب والمثير أن صحيفة «المصرى اليوم» التى نشرت فى صفحتها الأولى خبر مشروع القانون للحد من الزيادة السكانية لم «تتابع» صدى الخبر، إلا إذا كان السؤال عن المشروع سيحصد ما يطلق عليه «تحصيل حاصل»!

الأمر الآخر هو الحرص على موقف «العلم»، فهناك رؤى جديدة حول «السكان كضمان قوة، ومعوق للتنمية» أيهما ينتصر؟ نعم: العلم يقول إن الزيادة السكانية لها سلبيات، العلم يقول إن الزيادة السكانية بمستوياتها الحالية لن تؤدى على الأرجح إلى زيادة فى أعداد المبدعين، وستضاف على أفضل تقدير إلى رصيد المتعطلين!

يوماً ما اقترحت حواراً مجتمعياً حول الزيادة السكانية «ضمان قوة أم معوق للتنمية». نحتاج إلى جدية شديدة فى مناقشة قضايانا لنعرف إلى أين يقودنا الخير والمنفعة! ومن النقط المهمة هى: تدارس العلاقة بين العدد الأمثل للسكان وتوزيعهم الجغرافى. ذلك أن السكان من عناصر الأمن القومى المصرى، وحركة التاريخ تؤكد أن دور مصر يتجاوز حدودها، ومن ثم فإن المصالح العليا تتطلب دائماً أن يكون لمصر جيش قوى يسمح لها بأن تلعب دورا إقليميا، وأن تحقيق نهضة حقيقية بأقل عدد من السكان الذين اضطلعوا عبر التاريخ بأدوار تنويرية شكل القوة الناعمة للدولة المصرية.

وندخل غرف النوم لنطرح سؤالاً بديهياً: هل ستكون مصر أقرب إلى سيناريو الإنجاب المنخفض أم أقرب إلى سيناريو الإنجاب المرتفع؟ سوف أفتش فى أوراق د. ماجد عثمان ربما أنه- غير رسمى- وليس معنياً بتستيف أوراق. إنه يذكر حقائق فى ضوء رؤية عالمية حول إمكانية أن تؤدى الزيادة السكانية إلى معوقات للتنمية. ذلك هو السؤال، وكل مصرى حريص أن يعرف الإجابة، فلا تكلفنا الزيادة السكانية أكثر مما نحتمل، وتندم أنك صنعت مشكلة فوق سرير لذة؟!!
نقلا عن المصري اليوم