شكرًا إيناس عبدالدايم، وشكرًا فاروق حسنى، فقد منحتمانى تأصيلًا لما أؤمن به من أفكار. وشكرًا لك أيها الفنّ.
 
تأملوا هذا المشهد الفريد: فنانٌ «تشكيلىٌّ» عالمىٌّ يمسك يد فنانة «موسيقية» عالمية ويرتقيان معًا خشبة المسرح على شرف الفن والجمال. ذلك المشهدُ الحىّ كان اللوحةَ الأجمل في جاليرى مركز الجزيرة للفنون. الفنان التشكيلى كان وزيرًا سابقًا له منجزٌ وطنىٌّ مشهودٌ في مجال الثقافة والفنون. والفنانة الموسيقية وزيرة حالية لها دورٌ وطنى مشهود في النهوض بالمجتمع ثقافيًّا وفنيًّا. تلك كانت لوحة المفتتح التي خلّدت مشهدًا عزَّ أن نشاهده في مجتمعاتنا. لم أرَ مثل ذلك المشهد إلا في دول أوروبا التي تُقدِّس الفنونَ، ويجتمعُ فيها المسؤولون، السابقون والراهنون، من أجل فكرة تعلو بالوطن.
 
أما الفنان التشكيلى فهو «فاروق حسنى» وزير الثقافة الأسبق. وأما الفنانة الموسيقية فهى إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة الحالية. لن تغيب تلك اللوحة عن ذاكرتى مطلقًا، حيث يقفُ الوزيران بين مجموعة من شباب التشكيليين المصريين الواعدين، الذين فازت لوحاتُهم في مسابقة الفنون، التي دشّنتها «مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والفنون» في دورتها الأولى ٢٠٢٠. الفنانون الصغار قادمون من محافظات مصرية شتّى وينتمون إلى مدارسَ فنيّة شتى ومن مناحٍ وعقائدَ شتى، لا يربطُ بينهم إلا مصريتُهم وعشقُهم للفن ومواهبهم الطافرة.
 
ورغم أن صاحب المؤسسة ومُدشِّن الجائزة فنانٌ تشكيلى عالمى ذائع الصيت، إلا أنه رفض أن يكون ضالعًا في تحكيم الجائزة، وأسند الأمرَ بكامله إلى لجنة متخصصة من خبراءَ في دروب الفنون والفلسفة والثقافة. والحقُّ أننى، فيما أتجوّل بين أروقة مركز الجزيرة للفنون، أتأمل اللوحات المشاركة، شعرتُ بمدى عُسر الجهد المبذول من جانب اللجنة المُحكِّمة. فجميع اللوحات تقريبًا على مستوى عالٍ ورفيع من حيث الفكرة والتقنية الفنية والأسلوب التشكيلى والقاعدة الفلسفية للمضمون. كثيرٌ من اللوحات تستحقُّ المركز الأول، ولكنها جائزة واحدة: «أوسكار الفنون» فازت بها الجميلة الشابة «إيمان عبدالرحمن»، وفاز زملاؤها الموهوبون بشهادات تقدير. ونظرًا لارتفاع المستوى الفنى الواضح للوحات المتقدمة للمسابقة، قرّر فاروق حسنى تصعيد الجائزة إلى ثلاثة أعمال، بدءًا من عام ٢٠٢١، خاصةً بعدما قدّم أحدُ دراويش الفن دعمًا ماليًا محترمًا للمؤسسة، رافضًا ذكر اسمه، احترامًا لدور الفن في بناء مصر الناهضة.
 
الزحام الشديد في الحفل يجعلك تندهش أن هذا ميلادٌ لجائزة في دورتها الأولى!.. لكنه يُخبرنا بأن المصريين يدركون أن الفنون هي طوقُ النجاة للخروج بمصر من الظلام إلى النور. الفنون الجميلة، من التشكيل والنحت والموسيقى والمسرح والأدب، هي مدارسُ طويلة المدى ممتدةُ الأثر، تُعلِّم الناسَ ما فاتهم أن يتعلّموه على مقاعد المدارس التقليدية. مدارسُ تُصلِح العقلَ وتُرمِّمُ النفسَ وتُعالجُ أدرانَ الروح. لهذا قال أفلاطون بعد عودته من مصر إلى أثينا: «يا أبناء اليونان، علّموا أولادَكم الفنونَ، ثم أغلقوا السجون». قالها مُشيدًا بالنهضة الفنية المدهشة في مصر في القرن الرابع قبل الميلاد، راجيًا أن ينهض الإغريقُ نهضتَنا.
 
جميلٌ أن يحمل وزيرٌ سابق همومَ الوطن وينفق مالَه ووقته في إنشاء مؤسسة ثقافية من أجل الارتقاء بالذائقة الفنية والفكرية والثقافية لأبناء ذلك الوطن. وجميلٌ جدًّا أن يكون هذا الوزيرُ فنانًا عالميًّا مرموقًا له لوحاتٌ موثّقة في معارض العالم الدولية. وجميلٌّ أن تتحمس وزيرةٌ راهنة لمشروعه الثقافى المدهش، وتُسخِّر وزارتَها لدعم تلك المؤسسة التنويرية الواعدة. ذاك أنها هي الأخرى فنانةٌ عالمية مرموقة شاركت في كبريات الأوركسترات الأوبرالية، ولعبت الفلوت على خشبات أوبرات العالم.
 
شكرًا إيناس عبدالدايم، وشكرًا فاروق حسنى، فقد منحتمانى تأصيلًا لما أؤمن به من أفكار. وشكرًا لك أيها الفنّ.
 

«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يحبُّ الوطن». 

نقلا عن المصرى اليوم