د. مينا ملاك عازر
ولنعاود الآن الحديث عن تجربة بطلتنا السويدية العظيمة، تجربة جريتا الفريدة لم تبدأ عام ٢٠١٨، لكن قبل ذلك بسنوات، هذه التجربة كانت موضوع كتاب مشاهد من القلب، الذى صدر قبل أيام قليلة من تظاهراتها الفردية في ٢٠١٨، حيث قامت أمها مالينا إرمان بدور الراوية، وينقسم الكتاب إلى مشاهد، كل منها يعطى نظرة على هذه الأسرة وكيف تعاملت مع أزماتها الشخصية عن طريق مواجهة أزمة أخرى أكبر، وهى الاهتمام بكوكبنا، الأم مالينا إرمان واحدة من أشهر مغنيات الأوبرا في السويد، عاشت حياة مثيرة ومختلفة مع زوجها الممثل سفانتى تونبرج، كانا يسافران حول العالم بصحبة طفلتيهما، ولكن في سن الثامنة أُصيبت جريتا باكتئاب حاد، وفقدت عشر كيلوجرامات من وزنها في شهرين، انقلبت حياة مالينا وسفانتي رأساً على عقب، تم تشخيص حالة جريتا بمتلازمة اسبرجر وأمراض أخرى. 
 
بعد فترة وجيزة بدأت ابنتهما الصغرى بياتا تعانى نفس الأعراض، وتم تشخيص إصابتها بمتلازمة اسبرجر والوسواس القهري، تغلبت الأسرة على المحنة وحوَّلتها إلى منحة، مرض جريتا لم يمنع من الاهتمام بما هو أكبر من مشاكلها الشخصية، شاهدت فيلماً وثائقياً عن أزمة المناخ، وسألت نفسها: لماذا لا يتحدث أحد عن هذا؟ كيف يمكن للساسة والزعماء التحدث عن أي شيء آخر عندما يكون هذا هو الشيء الوحيد المهم؟ بدأت في دراسة أزمة المناخ، وكيف تم تقديمها في وسائل الإعلام. غيّر والداها نمط حياتهما، وتَخَلّت الأم عن مهنتها لتكون سنداً لابنتها بعد اقتناعها بأهمية القضية، وشجعت ابنتها على تَبَنِّيها، كان ذلك أول علامة على إرادة جريتا القوية ومثابرتها، انتقلت من إقناع أسرتها إلى محاولة إقناع العالم بإجراء التغيير اليوم بدلاً من الغد.
 
تحية لجاريتا ولأسرتها ،وللعالم الذي يقبلها، ولزعماء العالم الذين ربما لا يقتنعون بما تنادي وتهاجمهم لأجله، لكنهم يحترمون شعوبهم والمواطنين، ويتيحون لها أن تعبر في كتب وخطب وبالأمم المتحدة وفي أفلام، تحية لمن قهرت مرضها واختارت أن تكون مؤثرة.