حالة الكتاب ترتبط دومًا بالأوضاع المحيطة بها، فإذا كان الاستقرار ازدهرت صناعة الكتاب، لكن إذا كانت الأوضاع مُتوترة كما هي في سوريا منذ تسع سنوات ، وباليمن منذ خمس سنوات ، وفي لبنان منذ شهور قليلة، فكيف يتعامل أصحاب دور النشر مع تلك الأوضاع الآن خاصة مع حرصهم التواجد في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ51، داخل قاعة 3.

 
منذ 33 سنة عام تأسست مكتبة خالد بن الوليد باليمن، وقد صار لهم حوالي ثمانية فروع، وداخل المكتبة هناك حوالي 650 إصدار، كما أنهم حريصين على التواجد بمعرض الكتاب بالقاهرة منذ عام 2002، ولم يفوتوا دورة واحدة إلى الآن، رغم الحرب الدائرة باليمن، كما يقول عبد العليم أحمد مدير المبيعات.
 
ويُعاني عبد العليم من مشكلات عديدة، هو وبقية الناشرين في اليمن، فهناك معاناة في نقل الكتاب بين المحافظات اليمنية وتقييد حرية الطباعة والنشر "كان عندنا الجو مفتوح فيه دولة وحكومة"، كما كانوا يشتركون في معارض الكتب الداخلية "لكن الآن مفيش أي معارض"، وكذلك تواجدوا في العديد من معارض الكتب في الوطن العربي، أما الآن فلم يعد هناك أية مشاركة سوى بالقاهرة.
 
واحدة من المشكلات الأخرى هي مصادرة الكتب، فالكتب المقبولة في العاصمة صنعاء غير مقبولة في عدن، حيث تتم المصادرة من قبل نقاط أمنية وعسكرية تستحوذ عليها جماعات متشددة، يحكي مدير المبيعات أحد المواقف التي تعرض لها؛ فمنذ عام اشترى من القاهرة حاويتين كتب ، أي حوالي 800 كرتونة، ودخلت إلى عدن وتم قبولها من وزارة الثقافة، وفي الطريق إلى صنعاء تمت مصادرة حوالي 40 كرتونة من قِبل إحدى النقاط العسكرية.
بالنسبة للطباعة اختفت أنواع من الورق المستورد في السوق اليمني، وتضاعفت أسعار الطباعة إثر ذلك، ويذكر عبد العليم أن هناك 300 دار نشر توقفت عن العمل أو غيرت نشاطها، كما تزايدت ظاهرة الكتب المزورة ، ويوضح مدير المكتبة أنهم يدفعون جمارك مرتين "كل حكومة تاخذ فلوس الجمارك مرة "، فهناك الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الإنتقالي الجنوبي.
 
وفي السابق لم توجد رقابة على الكتب، كانت الرقابة بحسب عبد العليم لاحقة ، أي أن الكتاب يصدر وعلى المتضرر بعد ذلك اللجوء إلى الجهات الرسمية، أما الآن وبرغم أنه رسميًا مازالت لا توجد رقابة، لكن في الواقع فإن هناك أسماء بعينها لا ترضى عنها الجماعات المتشددة تقوم بمصادرتها "يعني يقولوا كتاب فلان تمشي وفلان تاني متمشيش".
 
تلك هي المرة الأولى التي تشارك فيها الهيئة العامة للكتاب اليمني، ولا ينس رئيس الهيئة "يحيى ماثالا" أن اليمن قد ازدهرت فيها حضارة النشر قديمًا في منطقة الجزيرة العربية، وما تشهده اليمن الآن من أوضاع سيئة لابد أن ينتهي يومًا وتعود البلاد مجددًا للازدهار، ولكن في الأوقات الحالية كما يقول رئيس الهيئة يتعرض الكتاب المدرسي أيضًا إلى التشويه على يد الجماعات المتشددة في بعض المناطق اليمنية. 
 
وكجهة حكومية حرصت الهيئة العامة اليمنية على التواجد في المحافل الدولية، بدءً من معرض القاهرة للكتاب. 
 
وتعاني الهيئة كجهة حكومية من تدمير حوالي 13 مكتبة عامة بسبب الحرب، وتشرد الباحثين وانصرافهم إلى شئونهم الخاصة غير المستقرة في اليمن، ومع ذلك يحاول عدد منهم العودة مجددًا إلى كتابة الأبحاث العلمية والفكرية وتسويق اصداراتهم. 
 
 
داخل قاعة 3 أيضًا يوجد العديد من دور النشر اللبنانية، من بينها منتدى المعارف التي تأسست عام 2010، وداخل لبنان انطلقت الاحتجاجات الشعبية في اكتوبر 2019 نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، ويحكي علي عساف أحد المسئولين بمنتدى المعارف المتواجد داخل معرض الكتاب، إن تلك الأوضاع الاقتصادية السيئة قد أثرت أيضًا على حركة النشر، فحركة التعامل مع البنوك متوقفة منذ فترة طويلة ،حيث أن النظام المصرفي متوقف بسبب الفساد المنتشر بلبنان.
تلك عن ارتباط عملية النشر بالأوضاع في لبنان، أما عن سيرة الثورة داخل الكتب فلم تتضح بعد، وفي رأي عدد من الناشرين اللبنانيين داخل المعرض ومن بينهم عساف أن لازال الوقت مبكرًا للحديث عن الثورة.
 
منشورات المتوسط أيضًا متواجدة داخل المعرض، والتي تعاني أيضًا من الأوضاع السيئة، فيقول عماد بن صالح أحد المسئولين عن الدار إنهم صاروا يستوردون الورق من الخارج، وبالتالي ازدادت تكلفته .
 
داخل دار ورد السورية كان دكتور مجد حيدر يقف يبيع الكتب المُترجمة التي هي محل اهتمام لديهم، ورغم أنه لا توجد أي أحداث تخص سوريا داخل تلك الكتب، إلا أن السياسة لم تترك دار ورد وغيرها من دور النشر السورية، فبدون استقرار لا توجد صناعة كتاب مزدهرة كما يقول حيدر، فالمجتمع السوري أصبح يفتقد لتلك "البحبوجة الصغيرة" على حد وصفه، حيث بات يلهث مضطرًا وراء لقمة العيش دون الالتفات لأي أنواع من الرفاهية وفي مقدمتها الكتاب، هذا بجانب تأثر عملية النشر بإرتفاع أسعار الطباعة نتيجة الحرب.
وبرغم الحرب إلا أن حيدر مستمر في النشر، وهو ما يبدو غريبًا في ظل تلك الأوضاع، لكنّه لا يتخيل نفسه بمكان آخر بعيد عن الكتاب،رغم أنه طبيب "ما عادت القضية قضية ربح "، فالنشر بمثابة مساحته الشخصية التي يجد فيها نفسه، حيث تأسست الدار عام 1995.