عاطف بشاي
«خطوط شائكة» رواية جديدة للأديبة المبدعة «عزة كامل» وهى كاتبة ذات إسهامات متعددة واهتمامات متنوعة، فتكتب أيضًا القصة القصيرة والمقال الصحفى والدراسات البحثية.. كما أنها ناشطة شرسة في مجالات حقوق المرأة المعاصرة في مواجهة ذكورية الديناصورات المنقرضة المسماة بالرجال.. والرواية ممتعة وعميقة تفضح وتعرى تناقضات النفس البشرية وسلبيات الواقع المعاش.. وتضرب في ذلك في كل اتجاه بحدة وجسارة لا تخلو من عذوبة في التعبيرات الموحية والبلاغة من بيان وبديع يشى بروح رقيقة وشجن شفيف خاصة فيما يتصل بمشاعرها تجاه التعساء من المهمشين أولاد الفقر الذين كتب عليهم أن يقدموا اعتذارًا عن وجودهم الذي يشاركهم فيه الكلاب الضالة الجائعة التي تتقاسم معهم البؤس والشقاء.

والرواية تنحو في اتجاه الميلودراما التي تحتشد بالأحداث الفاجعة والصراعات الدامية والمصادفات الصاعقة والتراجيديات العنيفة.. ولكنها- وذلك أحد أسباب تميزها وقيمتها العالية- ميلودراميات غنية بالمشاعر المتدفقة والمعانى الإنسانية بل الفلسفية العميقة التي تدعو إلى التأمل في المأزق الإنسانى.. وجدوى الوجود.. وعبثية السقوط في العدم والبحث عن الخلاص.. واقتناص لحظات الحب العابرة.. والدفء الشحيح في عالم ضنين.

شدنى فصل في الرواية تتحدث فيه «عزة» عن عالم المثقفين من شعراء وأدباء وفنانين تشكيليين.. وتصف حال بطل الرواية «طاهر» الذي كان يذهب في بداية حياته الصحفية إلى أماكن تجمعهم.

وفى إحدى المرات وبينما هو متجه إلى المقهى الذي يجتمع فيه المثقفون لكتابة بيان عن حرية الإبداع والفكر نتيجة لتقديم أحد الشبان المبدعين للمحاكمة لاتهامه بنشر الفسق والتحريض على الكفر.. سمع جلبة وضوضاء وصرخات عنيفة ورأى شخصين يتشابكان وواحد منهما يمسك بقميص الآخر ويهزه بعنف مرددًا: يا حرامى.. أنت شاعر فاشل.

■ ■ ■

ذكرتنى رواية «عزة كامل» بالمكان وغرائب شخصيات المثقفين في ذلك المقهى العريق الذي دخلته لأول مرة في حياتى في السبعينيات من القرن الماضى وتابعت فيه عن بعد ندوة أستاذنا «نجيب محفوظ» الأسبوعية.

كنت برفقة المبدع الفذ «يوسف إدريس» الذي ناقش معى مشروع تخرجى في برنامج كان يقدمه «شفيع شلبى» وهو فيلم قصير مأخوذ عن قصة للأديب الكبير هي (لغة الآى آى) فأعجب به وأصر بعد انصرافنا على دعوتى على العشاء.

ما إن دخلنا المطعم حتى استوقفنا رجل عجيب ذو عينين حادتين وملامح متقلصة بالانفعال.. يسيطر عليها السخط والتعالى والامتعاض.. فإذا به يصيح في «يوسف إدريس» بدون مقدمات بحدة وعدوانية بالغة مرددًا: يا «يوسف» لقد قرأت كل أعمالك.. وأشهد أن قصة واحدة من قصص «يحيى الطاهر عبدالله» أهم من تاريخك كله.

ابتسم «يوسف إدريس» ابتسامة ساخرة وقال له:

- حالتك تتدهور.. أنت تحتاج إلى جلسات كهرباء.

جلسنا في ركن بعيد عنه وسألت دكتور «يوسف»: من هذا الرجل؟

فقال لى إنه مشروع قصاص فاشل كتب في حياته كلها قصتين لم تنشرا لضعف مستواهما بينما برر هو ذلك أن السبب هو اضطهاد السلطة له وتعليماتهم لرؤساء التحرير بعدم النشر لانتمائه السياسى المعارض.. وهو مريض بـ«بارانويا الاضطهاد» ويتهم المثقفين الجالسين بالمقهى جميعهم بالتخاذل والجبن.. بل التواطؤ مع السلطة القمعية بدلًا من الثورة عليها.

قال لى الدكتور «يوسف إدريس»: في هذا المقهى التاريخى سوف تتعرف على عالم مدهش من الكبار والصغار.. ويمكنك أن تستلهم من أنماطهم ملامح الكثير من الشخصيات الدرامية.

وقد كان.. فقد عملت بنصيحة الأستاذ وكتبت منه ملامح «شخصيات لها العجب» (على حد تعبير الراحل الكبير «صلاح عيسى» وله كتاب رائع يحمل هذا العنوان).

وكذلك فعلت الموهوبة «عزة كامل».

Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم