امينة النقاش
فى نهاية الشهر الجارى، تعقد مؤسسة الأزهر فى مقرها بالقاهرة مؤتمرا  تحت عنوان «مؤتمر الأزهر العالمى  لتجديد  الفكر والعلوم الإسلامية «يشارك فيه نخبة من الشخصيات الدينية والسياسية على المستوى الدولى والإقليمى والعربى. يأتى هذا المؤتمر، فى سياق الدعوة التى طالما طالب بها  الرئيس السيسى منذ تقلد منصبه قبل ست سنوات، لتجديد الخطاب الدينى، وتحرير التراث الإسلامى من كثير من  الخرافات والمرويات الكاذبة والمختلقة، التى تفرق بين البشر، وتحرض على العنف وتقدس الإرهاب، وتحتفى بالقتل والذبح والتدمير، وتعادى الحياة.

ووفقا لما نشرته الصحف، فإن المحاور التى سيناقشها المؤتمر كثيرة ومتشعبة، بينها أصول الفقه والعقيدة والزواج العرفى وأخطار التدخين والمخدرات، ومقاصد الشريعة والمساواة فى الحقوق والواجبات، ومخاطر تهديد المنشآت العامة للدول والمسئولية المجتمعية للتصدى للفساد ومدنية الدولة وتفنيد أفكار داعش، ومنها كذلك عدد من القضايا المختلف عليها مثل نقل الأعضاء، والثورة الجينية التى باتت تتحكم فى جنس الأجنة وتستنسخها، وغير ذلك من القضايا التى لا تحظى بإجماع فى شأنها

وبرغم الطموح الكبير لدى  منظمى المؤتمر، فقد عودتنا الخبرات  العربية المشابهة، أن المؤتمرات التى تعقد لتناقش كل شىء، لا تنتهى فى العادة بما يحقق  الهدف من عقدها.

وتبدو الموضوعات المطروحة للنقاش فى المؤتمر،  مهمة فى حد ذاتها  لكنها من  فرط التوسع فى عددها، لن تحظى للأسف  بالقدر الكافى من النقاش، لخدمة أمة باتت هويتها الدينية محطا للإدانة والمساءلة، وأضحى  الدين الإسلامى  فى بؤرة  الاتهام، وغدا  قرينا  للعنف والإرهاب والترويع والقتل والتمثيل بالجثث، وسبى النساء وتدمير الآثار، فى أنحاء العالم  الغربى.

لكننى توقفت طويلا أمام محور كيفية إعداد داعية إسلامى. سبب التوقف أن المدارس والمعاهد الأزهرية الدينية  التى يتخرج فيها مثل هؤلاء الدعاة، هى أصلا موطن لصناعة التطرف بمناهجها الدراسية الجامدة والمتخلفة والمقاطعة للعصر والمعادية للحداثة. ووفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن عام 2019، فقد بلغ  عدد المدارس والمعاهد الأزهرية 65,9 ألف مدرسة ومعهد، بزيادة عن العام الذى قبله بنسبة تصل إلى 3,1%، برغم  توصيات الدراسات والمؤتمرات منذ عقد السبعينيات  التى دعت مع بروز قضايا الفتن الطائفية، وتصاعد حوادث الإرهاب، إلى إعادة النظر فى المناهج التى تدرس بها، وحتى المطالبة بغلقها، وضمها للتعليم المدنى السائد . ففى تلك المدارس والمعاهد التى يلتحق بها أطفال وصبية، يلقن هؤلاء أن الآخر المختلف عدو وكافر، ويزرع فى أذهانهم أن العنف تحت راية الدين عمل مقدس، ويستحضر أبشع ما فى التراث من حكايات  غير مؤكدة، ليعلم هؤلاء الطاعة العمياء والولاء المطلق، وتغلق إلى الأبد قدرتهم على طرح الأسئلة وبناء العقل النقدى، الذى يستطيع أن يفرق بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين القيم الخلقية الراقية والأخرى المتدنية، وبين النور والديجور. وبتلك الثقافة الدينية الهشة والسطحية، يتخرج هؤلاء لنشرها من فوق منابر المساجد والزوايا، وليقبضوا على قلب المجتمع المتدين بطبعه، من نقاط ضعفه، ومن نقص إدراك بعض فئاته، لتعم الكارثة!

كان طه حسين محقا حين أدرك أهمية إصلاح المنظومة التعليمية بالنسبة لمستقبل مصر  وتقدمها، منذ انتقد فى سيرته الذاتية «الأيام»  وبناء على تجربته الشخصية، طرق التعليم الأزهرى، التى تفرض حدودا على الحرية فى الحصول على المعرفة والتعلم والتفكير، وحتى صدور كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» فى عام 1938، الذى ربط فيه بين الاستنارة  الثقافية والمعرفية وبين الديموقراطية، وبينهما وبين انتماء مصر لثقافة البحر المتوسط. وحين صار وزيرا للمعارف عام 1950 نفذ مطلبه بأن يكون التعليم كالماء والهواء حقا لكل مواطن، فصارت مراحل التعليم الأولى كلها مجانية، ولم يبق فى منصبه لكى يكتمل ذلك الحلم، بالغاء التعليم الدينى، وتوحيد مناهج التعليم لتشكيل وجدان وطنى مشترك لطلابه ودارسيه.. ومن هنا يبدأ تجديد الخطاب الدينى.
نقلا عن الوفد