وسيم السيسي
يقول الجبرتى: أنشأ الفرنسيس لبعض المشايخ المنتخبين ديواناً، وكتبوا لهم كيفية قسمة المواريث والآيات القرآنية المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك، كما أحضروا لهم قائمة بالأملاك والعقارات عن طريق المهندسين، وجعلوا ثمانية فرانسه «فرانك» على العقار العظيم، وستة على المتوسط، وثلاثة على الأدنى، وما كان أجرته أقل من ريال فهو معافى، أما الوكالات والخانات والحمامات والحوانيت، فكان حسب الرواج «الغنى» أو الخسة «الفقر». ثارت حشرات الحسينية، وأزاعر «جمع أزعر» البرانية، والمعدمين! ومعهم بعض المتعممين الذين لم ينظروا فى عواقب الأمور، تجمع الكثير من الغوغاء، أبرزوا ما أخفوه من سلاح، حضر إليهم القائد الفرنسى ديوى فضربوه وثخنوا جراحه، وقتلوا الكثير من أبطاله وفرسانه، هدموا مصاطب الحوانيت، تترسوا وراءها، نهبوا دور النصارى والمسلمين، أخذوا الودائع والأمانات، طلب نابليون شيوخ الأزهر فلم يردوا عليه، فما كان من الفرنسيس إلا أنهم بندقوا «أطلقوا البنادق» عليهم حتى أجلوهم وأزالوهم بعد أن قاموا بهذه الفظائع، وأكثروا من المعايب كسبى النساء والبنات، واستمر الهرج والمرج، ولم يرد شيوخ الأزهر، ولما ملَّ نابليون من هذا التسويف، والرمى متتابع من الجهتين، فعند ذلك ضرب الفرنسيس بالمدافع والبونبات «القنابل» على البيوت والحارات، وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر، فلما سقط عليهم ذلك ورأوه، ولم يكونوا فى عمرهم عاينوه نادوا: يا سلام من هذه الآلام!

يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف!!

فلما عظم الخطب، ركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل، عاتبهم فى التأخير، وأمر برفع الرمى عنهم، فخرجوا ينادون بالأمان، وخرج الجنود بخيولهم من الجامع الأزهر بعد أن كانوا قد احتلوه.

يعجب المستشار محمد سعيد العشماوى من تسمية ما حدث بثورة، وهى كما يصفهم الجبرتى بالغوغاء، والحشرات، والأزاعر، وهم معدومون لن يدفعوا شيئاً، بالرغم من أن العثمانيين والمماليك كانوا يأخذون ما يشاءون من الناس غصباً بلا أى قانون أو سند، ويقول العشماوى إنه أمر ظاهره العصيان وباطنه السلب والنهب وهتك أعراض النساء وخطف البنات.

أما ما يقال عن ثورة القاهرة الثانية، فكانت كما يقول الجبرتى نصاً: أشيع أن صلحاً قد تم بين السلطنة العثمانية والجيش الفرنسى، دخل الأغا التركى فى ضجة عظيمة، فرض المكوس على المصريين لترحيل الفرنساوية، دهى «الداهية» الناس من أول أحكامهم، أما الهمج والحشرات فقد استولى عليهم سلطان الغفلة، فكان السب والشتم والتطاول على الفرنسيس والأقباط!

عرف الفرنسيس أن الإنجليز سوف يحاصرونهم فى البحر، فعدلوا عن الرحيل، وأرسلوا للأغا التركى أن يغادر البلاد فغادرها بعد أن ترك رجاله ينهبون البلاد والقرى، ولما كثر اللغط، هاجوا ورمحوا وقتلوا جنوداً من الفرنسيس، وقال نصوح باشا العثمانى للأوباش والحشرات: اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم، أطلق الفرنساوية المدافع والبنب، تجمهر المعظم للخروج، وركب بعضهم بعضاً للهروب.

.. وللحديث بقية
نقلا عن المصرى اليوم