نهاد أبو القمصان
طالعتنا الأخبار بحادث مروع راح ضحيته طبيبات كن مسافرات لحضور تدريب فى القاهرة، وباقى الركاب ما بين قتيل أو مصاب، وعلى أثر هذه الأخبار تصدر طلب إقالة وزيرة الصحة الفيس بوك وتويتر، وهنا لا أناقش الموقف من وزيرة الصحة، فهى وزيرة موضع نقد شديد منذ اليوم الأول لتوليها الوزارة، ما بين قرارات غير مفهومة، إلى أداء متواضع الكفاءة، وإن كان مجلس النواب أخيراً وبعد طول غياب قدم استجواباً لها، إلا أن عناية السماء أنقذتها ولم يحضر النواب وهم من لهم الحق فى التقييم والمساءلة نيابة عن الناس!! ولكنى أتعجب من مثقفين يوجهون الرأى العام إلى التفكير بطريقة سطحية ومغيبة لمجرد المعارضة للسياسات العامة أو للوزيرة نفسها، ثم يشتكون مر الشكوى من جهل المجتمع وسطحيته، لذا فأنا أوجه حديثى للسادة الأطباء وأساتذة الجامعة والمثقفين الذين ملأوا الفيس بوك وتويتر صريخاً لإقالة وزيرة الصحة، (وهذا لا يعنى أنها لا تستحق الإقالة، لكن هذا أمر آخر)، لأن ما أراه هو تقزيم للقضية فى إقالة وزيرة دون مناقشة الأمر برمته، وإن كان غاية المنال إقالة الوزيرة فهناك أسباب متعددة لذلك منها رحلات الحج والعمرة لأهالى الضحية، من أين ستأتى بتكلفتها؟ من ميزانيتها الشخصية أم ميزانية الوزارة المخصصة لعلاج الناس؟ وهل هذه الرحلات تدخل فى إطار تنظيم قوانين العمل أم أنها رشوة روحية؟

كان أولى للمثقفين القادرين على توجيه الرأى العام أن يفرقوا بين سبب السفر، وهو التدريب، وهو أمر مهم للتطور المهنى، وسبب الوفاة، وهو حادث مرورى، لأن التحليل المنطقى يؤتى نتائج منطقية تساعد الجميع وتؤمن حياة الناس، وكان الأولى أن تكون وفاة وإصابة الطبيبات سبباً لفتح نقاش حول إصابات العمل والتعويض لهم بعيداً عن الاتجار بالدين برحلات حج وعمرة، تأمين بيئة عمل مناسبة ومحترمة للأطباء والطبيبات، بما فيها وسائل الانتقال، تطبيق قانون المرور بالشكل الذى يحفظ حياة الناس وأرواحهم بدءاً من صلاحية المواصلات، لكفاءة السائقين، فساد المحليات التى لا تعمل لتمهيد الطرق، ووضع العلامات والإشارات، تقصير وزارة النقل فى سد احتياجات الناس من مواصلات عامة آمنة وجيدة.. لنعود إلى الحادثة بقليل من التحليل:

أولاً: دعوة للتدريب لرفع كفاءة الطبيبات من الأقاليم (المنيا) للمشاركة فى حملة ما، السؤال: ألم يبح صوتنا بضرورة رفع كفاءة الأطباء والتمريض وغيرهما؟ والتدريب إحدى أدوات رفع الكفاءة! هل نكتفى فى المستقبل بجعل التدريب للذكور فقط ثم نشتكى ظلم النساء؟

ثانياً: اعتذرت الطبيبات لسببين إما المواصلات السيئة أو الحمل، وكلا السببين ليس سبباً للتخلف عن تدريب، فالمواصلات ليست أفضل شىء، لكن جموع المصريين يركبونها، وليست معدة خصيصاً لقتل الطبيبات، والحمل ليس مرضاً يمنع العمل والسفر، إلا فى ظروف خاصة وبتقارير طبية.

ثالثاً: أدان البعض استمرار التدريب بعد الحادثة، وهنا أتساءل: هل موت زميل عزيز فى أى مؤسسة يوقف العمل؟ جرت العادة فى أماكن العمل أننا نقدم التعازى، والمقربون يحضرون الدفن والجنازة، لكن المؤسسة تستمر وتعمل انتصاراً للحياة على الموت، فلو كل شهيد شرطة أو جيش بمجرد فقده أوقفنا العمل لكنا فى دنيا غير الدنيا.

رابعاً: ركز الجميع على الطبيبات، ولهن قدرهن بالتأكيد، لكن لماذا يتم تجاهل الآخرين وهم مصريون وبشر لهم التقدير؟ لقد توفى رجلان أيضاً، منهما السائق، خرجا لأكل العيش وتركا وراءهما أحبة وأسراً تعتمد عليهما.
نقلا عن الوطن