مراد وهبة
أكتب هذا المقال لأولئك الذين لديهم حساسية مرضية إزاء مصطلح «العلمانية» بدعوى أنه خاص بالحضارة الغربية عندما أرادت التحرر من سيطرة السلطة الدينية على السلطة السياسية. أما الإسلامية'> الحضارة الإسلامية فليست في حاجة إلى مثل هذا المصطلح لأن الإسلام لا يقر بوجود سلطة دينية تكون واسطة بين الله والإنسان. وأظن أن هذا السبب هو الذي دفع المفكر فريد زكريا- الذي هو من أصل هندى وهاجر إلى أمريكا وأصبح رئيس تحرير مجلة نيوزويك- إلى إصدار كتابه المعنون «اللاليبرالية الديمقراطية في الداخل والخارج» في عام 2003. وهو يتخذ من هذا المصطلح منطلقاً لتحليل ما يحدث في الدول النامية بوجه عام وفى الهند بوجه خاص. فنهرو الذي كان رئيساً للوزراء من عام 1947 إلى عام 1964 كان يحكم الهند باسم حزب المؤتمر وكان متسامحاً دينياً. وهذه ديمقراطية بحزب واحد. ثم جاءت أنديرا غاندى فاتبعت سياسة شعبية فأممت البنوك وقضت على حقوق الأمراء مع الاحتفاظ بحرية الصحافة والتسامح الدينى فضعف حزب المؤتمر، ومن ثم نشأت أحزاب جديدة وعديدة لكى تملأ الفراغ السياسى مثل حزب براتيا جناتا وهو حزب هندوسى أصولى، الأمر الذي دفع بعدد هائل من الشعب إلى الدخول في المنظومة السياسية، وكان هذا العدد هامشياً. وهكذا أصبحت الهند أكثر ديمقراطية ولكن أقل ليبرالياً.

لماذا؟ في رأى فريد زكريا أن هذه المفارقة مردودة إلى فوز حزب براتيا جناتا الأصولى بالحكم فأضعف التيار العلمانى ودخل في عداوة مع المسيحيين إلى الدرجة التي أصبحت فيها يوتار برادش- أكبر ولاية هندية متأثرة بآراء نهرو- تحت سيطرة حزب براتيا جناتا، وقيل عن هذه السيطرة إنها قتل للديمقراطية. ومغزى ذلك كله أن التوتر قائم بين الديمقراطية والليبرالية. وإذا كان لابد من إزالة هذا التوتر فعلينا الاختيار بين الديمقراطية والليبرالية. وإذا اخترنا الديمقراطية فيكون اسمها، في هذه الحالة، ديمقراطية لا ليبرالية. وفى رأى فريد زكريا أن هذا المصطلح صالح ليس فقط للدول النامية بل أيضاً لأمريكا.

والسؤال إذن:

ما مدى صحة هذا المصطلح؟

أظن أن صحته موضع شك لسببين: السبب الأول يكمن عندى في «رباعية الديمقراطية»، حيث الليبرالية تقع عند القمة والعلمانية تقع في البداية. وليس في الإمكان الوصول إلى هذه القمة إلا من بدايتها. ومعنى ذلك أن جذور الليبرالية تكمن في العلمانية. وإذا كانت العلمانية تعنى، عندى، التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق، فالأصولية تعنى التفكير في النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى، وبالتالى فإن التناقض قائم بين العلمانية والأصولية. ومعنى ذلك أيضاً أن الأصولية تمنع تأسيس الديمقراطية من البداية.

أما السبب الثانى فهو أن الديمقراطية لا تعنى تداول السلطة بالاقتراع السرى المباشر وإنما تعنى، في المقام الأول، هوية السلطة، أي التساؤل عما إذا كانت السلطة علمانية أم أصولية. ولا أدل على صحة هذا الرأى مما هو حادث الآن في فلسطين من أزمة حادة سببها مردود إلى أن هوية الحكومة الفلسطينية في غزة هي أصولية على الأصالة. وهكذا يسقط مصطلح الديمقراطية اللاليبرالية.
نقلا عن المصرى اليوم