كتب : د. مينا ملاك عازر
 
بالرغم من أني أكاد أكون واثق من أن ترامب لن يتم عزله على الأقل بالمعطيات الجارية الآن، وبالقراءة للأحداث الآنية من خلال تلك الأغلبية التي تحكم مجلس الشيوخ الأمريكي لمصلحة الجمهوريين، الذين يمالؤن ترامب قلباً وقالباً، ويكاد يجاهرون أن المحاكمة التي ستجري على أرضهم وبين أعينهم لن تزد عن كونها محاكمة صورية وسد خانة لسد رغبات الدستور الأمريكي وأحكامه. ومن ثمة، فلن يتم عزل ترامب إلا إذا خانوه أحلافه وأصدقائه أو جد ما يجعل موقفهم محرج ويضعف موقفهم أمام الجماهير أو تجأر الجماهير بمواقف مناوئة لترامب وحتى الأمر الأخير هذا مستبعد لأن ترامب في نظر الأمريكيين وفر لهم فرص العمل الجادة والحقيقية، وقفز باقتصاد بلادهم قفزات لا ينكرها أشد أعداءه مناوئة له، إذن وللآن عزل ترامب مستبعد بالرغم من هذا فأنا قلق فلماذا؟
 
أقلق من تلك التحزبية الحاكمة والجديدة على المجتمع الأمريكي بين الجمهوريين والديمقراطيين، انقسام حزبي مقيت لم يعهده الناخب الأمريكي، ولا رجال السياسة الأمريكيين، يغلف هذا الكثير من التوتر الممقوت في اتخاذ القرار ومحاولة كل طرف لصق التهم بالآخر.
 
ثم يقلقني بل ربما يزعجني تلك الفجوة، قل الهوة الضاربة بين أوصال المجتمع السياسي الأمريكي بين السلطة التشريعية مجلس النواب والسلطة التنفيذية الرئيس الأمريكي هذا حقيقي أمر خطير، يؤثر بالسلب على سير العمل في الدولاب الحكومي الأمريكي، الأخطر أن ثمة هوة واضحة وتخوين بيِّن بين ضفتي السلطة التشريعية مجلس الشيوخ من جهة ونظيره مجلس النواب من الجهة الأخرى، ما ينبئ عن بطء في اتخاذ القرار وعدم تفاهم يزيد هذا حدة تلك الهوة سالفة الإشارة إليها الواقعة بين مجلس النواب ورئيس السلطة التشريعية ونظيرتها التنفيذية.
 
أخيراً، ما يكاد يفزعني أن هذا كله يحدث في عام الانتخابات الذي تتكبل فيه أيدي الرئيس الأمريكي كثيراً لئلا يأخذ قرارات من شأنها جذب الشعب ليعيدوا التصويت له، وفي هذه الحالة قد تجعل الرئيس الأمريكي يحجم عن اتخاذ قرارات مصيرية وهامة لا لشيء إلا لأنها لا تهم الناخب الأمريكي الذي هو بالضرورة سيكون منشغل جداً بالأزمة السياسية الخاصة بعزله، ويصعب إرضاءهم.
 
ومن ثمة، فمسألة التخلي عن اتخاذ قرارات مصيرية لازمة لإقناعه بإعادة انتخاب الرئيس أمر وارد ما قد يكبد أمريكا خسائر فادحة، وإن كنت عزيزي القارئ لا يهمك خسارة أمريكا فدعني أخبرك بأنه قد تكون تلك الخسائر واقعة على رأس حلفاء أمريكا، وهنا نسأل أنفسنا، هل نحن من حلفائها، الإجابة قطعاً نحن وبشكل أو بآخر من المقربين لترامب، وانسحابه وانشغاله بالداخل قد يترك الخارج في مهب الريح، ما يعني أننا يجب مواجهة رجل مثل أردوغان، قد يتصور نفسه حينها الأقوى من ترامب ويقبل على تحديه مستغلاً انكبابه على أزماته الداخلية.
 
ومن ثمة، ففزعي يدفعني أن أهمس لصانع القرار في بلادي أن ينتبه لأهمية ممالأة ومساندة الرئيس الروسي بوتين في مواجهة أردوغان خاصة وأن تصريحات الأخير ضد روسيا غير مسبوقة، خاصة ما يعن بالشأن الليبي الذي هو الأهم لنا الآن، ويمس أمننا القومي الداخلي والخارجي، والتماس مع حدودنا الغربية هذا إلى أن نتبين موقف ترامب من تصريحات أردوغان من تحركاته، وثانياً علينا أن نطالب الاتحاد الأوربي أن يتخذ مواقف واضحة، وهو الذي تصادم بالفعل مع سياسات أردوغان، ودعونا نكون نفعيين ولو لمرة واحدة، نستغل الشقاق الواقع في حلف الناتو وبين الاتحاد الأوربي من جهة وأردوغان من جهة أخرى، لنكبده خسائر اقتصادية وسياسية تجعله ينكفأ على وجهه ويتخلى عن حليفه الإرهابي السراج رئيس ما يسمى زوراً وبهتاناً حكومة الوفاق الليبي.
 
المختصر المفيد السياسة قذرة ومتشابكة وعلينا ألا نظن أن ما يحدث بعيد عنا لن يؤثر علينا.