اعد مجلس النواب مشروعا بتعديل قانون الجنسيه المصريه رقم26 لسنه 1975 بقصد تسهيل اكتساب الجنسيه المصريه مقابل تقديم مبلغ من المال . ويقضى هذا التعديل باضافة ماده جديده الى قانون الجنسيه المصرى الحالى(الماده 4 مكرر) وتنص هذه الماده على انه " يجوز بقرار من وزير الداخليه,منح الجنسيه المصريه لكل أجنبى اقام فى مصر إقامة بوديعه مدة خمس سنوات متتالية على الاقل،سابقة على تقديم طلب التجنس ووفقا للضوابط المنصوص عليها فى المادة 20 مكرر من القانون رقم89 لسنة1960 ،بشان دخول واقامة الاجانب فى مصر والخروج منها ،متى كان بالغا سن الرشد ،وتوافرت فيه الشروط المبينة فى البند"رابعا"من المادة 4 من هذا القانون.ويصدر بشروط وقواعد تقديم طلب التجنس،قرار من وزير الداخلية، بعد موافقة مجلس الوزراء،وفى حالة قبول طلب التجنس،تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة، ويسرى على من يمنح الجنسية وفقا لحكم هذه المادة ذات القواعد الواردة بالمادة(9)من هذا القانون.
 
كما يقضى التعديل باضافة مادة جديدة (المادة20 مكرر)لقانون دخول واقامة الاجنبى باراضى جمهورية مصر والخروج منها (المادة20 مكرر) وهى تنص على أن "الاجانب ذوو الاقامة بوديعة هم الاجانب الذين يقومون بايداع وديعة نقديه ويصدر بتحديد المرخص لهم بالاقامة ومدتها، وقيمة الوديعة ونوع عملتها ،وتنظيم ايداعها واستردادها،والبنوك التى يتم الايداع بها،قرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء على الاقل عن(7 ملايين جنيه مصرى او ما يعادلها من العملة الاجنبية.
 
ويتعين التنويه بأن تشريع الجنسية المصرىه الحالي حرص كما حرصت تشريعات الجنسيه المصريه منذ نشأتها فى اواخر العشرينيات من القرن الماضى على الاستجابة لعاملين رئيسيين؛ اولهما هو العامل الديموغرافي المتعلق بالكثافة السكنية وضرورة تحقيق التوازن بين قدرات الدولة على سد حاجة المواطنين الأساسية من غذاء ومسكن آدمي وعمل وبين الكثافة السكانية المتزايدة التي اخلت بهذا التوازن. كما أخذ المُشرع في الاعتبار صعوبة اندماج الأجنبي في الجماعة المصرية نظرا لما تتسم به هذه الجماعه من عادات قديمه وخاصه وأسلوب حياة غير مألوف لدى المجتمعات الأخرى مما يتطلب استقرارطالب الجنسيه في الإقليم المصري والمعيشة فترة كافيه داخل الجماعة المصرية كي يتحقق انصهاره في هذه الجماعة ، هذا من الناحيه القوميه. 
 
أما من الناحية الدولية فقد حرص المشرع المصرى على احترام المعيار الأساسي الذي تقوم عليه الجنسيه والذى جرى عليه القضاء الدولى، ويتمثل هذا المعيار في وجوب قيام جنسية الدولة على تحقق الرابطة الفعلية بينها وبين الفرد،فاذا لم تتوفر هذه الرابطه تعيين عدم اعتراف المجتمع الدولى بهذه الجنسيه . ومن أبسط الأمثلة على ذلك ما نشهده فعلا في مجال البطولات العالمية الرياضية حيث يتم استبعاد أي عضو في فريق دولة مشاركة إذا تبيَّن عدم وجود رابطة حقيقيه وفعليه بينه وبين الدولة التي يمثلها حتى ولو كان يحمل جنسيتها.
 
غير أنَّ مفهوم الرابطة الفعلية أثار الخلاف أمام القضاء الدولي، واستقر قضاء محكمة العدل الدولية على تحديد هذا المفهوم على انه" الرابطة "التي تتفق مع الحالة الواقعية والتي تقوم على أقوى صلة حقيقية وفعلية genuine link بين الفرد والدوله ". كما حددت المحكمة اهم العوامل الأساسية التي تقوم عليها هذه الرابطة ومنها "موطن الفرد، ومقر مصالحه، واشتراكه في الحياة العامة، وما يبديه من ارتباط وتعلق بالدولة وبحياته الأسرية". وقد استجاب فعلا تشريع الجنسية المصرى الصادر سنة(75) لهذا المعيار من نواحٍ عدة، فالجنسية المصرية لا تثبت للفرد إلا بالميلاد لأسرة مصرية، أي لأب مصري أو لأم مصرية،ولم يعتد تشريع الجنسية المصرية بالميلاد في إقليم الدولة وهو المعيار الذى تأخذ به الدول الأنجلو أمريكية خاصة تلك التي تسعى إلى دعم عنصر السكان بها. ذلك ان المشرع المصرى قدرأنَّ واقعة الميلاد بإقليم الدولة ليست بالكفيلة وحدها لتحقيق الرابطه الفعليه التى تؤهله للانصهار فى الجماعه الوطنيه، كما انها لا تؤكد الاستقرار اللازم الذى من شأنه توفير الرابطه الفعليه مع الجماعه الوطنيه . لذلك اشترط المشرع المصري الإقامة الطويلة والمتواصلة دون انقطاع لمدة عشر سنوات لمنح الجنسية المصرية لطالب التجنس.
 
وإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على نص التعديل الصادر من مجلس النوَّاب المضاف إلى قانون الجنسية المصرية الحالي في شكل المادة 4 مكرر، والذي يُقرر جواز منح الجنسية لمن يقوم بإيداع وديعة ثابتة لم تحدد قيمتها بعد، وان كان يتعين الاتقل عن 7 ملايين جنيه او مايعادلها من عمله اجنبيه، لتبين لنا أن هذا التعديل لا يستجيب بحال من الاحوال للمعيار الأساسي الذي يقضي بوجوب قيام رابطة حقيقية وفعلية بين الفرد والدوله فايداع مبلغ من المال في بنوك الدولة أيًا كان قدره أو مدته ليس من شانه تحقيق الرابطة الاجتماعية والروحية التى تقوم عليها الجنسيه. ومن ثمَّ فإنَّه لن يعتد بهذه الجنسية أمام القضاء الدولي ولدى الدول الاخرى،ومثال ذلك الحكم الشهير الصادرمن محكمة العدل الدولية السابق الاشاره اليه الذى لم تعتد فيه المحكمة بتمتع الشخص بجنسية الدولة المعروفة بإمارة ليشتنشتاين التي منحته هذه الجنسية دون اية رابطه فعليه ، وبَنَتْ المحكمة رفضها الاعتداد بهذه الجنسية على أنها لم تقم سوى على إسهاماته المالية لتلك الدولة دون أية رابطة انسانيه واجتماعيه فعلية. 
 
وغنيٌ عن البيان أنَّ ايداع وديعة في البنوك المصرية وإقامة مودعها خمس سنوات على الأقل بمصر للحصول على الجنسية المصرية أمرٌ لا يتفق مع ما تهدف إليه مصر في المرحلة الحالية من تحقيق مبدأ المواطنة وإرساء أسس الوحدة الوطنية الحقة. ولا يكفي في هذا الصدد ترك سلطة تقديرية لوزير الداخلية لتقدير مدى انصهار المتقدم بطلب الجنسية في الشعب المصري. ذلك أنَّ السلطة التقديرية يجبُ أن تحدها حدود محددت المعالم في نظام يخضع لسيادة القانون.وفضلا عن ذلك فإنَّ المستثمر مودع المبلغ في البنوك المصرية بقصد الاستثمار غالبا مالايكون له مصلحه فى الدخول. في الجنسية المصرية،بل قد يصيبه ذلك بالضرر اذ يكفيه لتحقيق مشروعه الاستثماري السماح له بالاشراف عليه عن قرب في مصر وذلك إما بالاذن له بالإقامة بمصر خلال فترة إنجاز المشروع أو تيسير حضوره إلى مصر كلما تطلب الأمر، وذلك دون الوقوع في براثن البيروقراطية المعيقه والابتزاز اللذيين قد يشلا مشروعه . أضف إلى ذلك أنَّ منح الجنسية للأجنبي صاحب المشروع قد يصيبه بالضررإذ سيتم في هذه الحالة معاملته معاملة المستثمر المصري الذي يضج بالشكوى مما يلاقيه من صعوبات تجعله ينشد المساواة مع المستثمر الأجنبي. 
 
كذلك قد يتعرض المستثمر الاجنبى الذى حصل على الجنسيه المصريه لسحب دولته الاصليه جنسيتها عنه كما يجرى العمل فى العديد من الدول التى يفد منها كبار المستثمرين الاجانب التى تقضى قوانينها بسحب الجنسيه عن المواطن الذى يتجنس بجنسيه اجنبيه .ومن ثم فإن النتيجه العمليه لمشروع مجلس النواب ستنحصر فى دخول فئات المستثمرين ذوى الاستثمارات الضئيله، ومن شأن ذلك كما لايخفى، زيادة تعداد الشعب المصرى والتعجيل بانفجار قنبلة الانفجار السكانى الذى تسعى الدوله لمنعه بتحديد نسل المواطنينبكافة الوسائل .
 
ان مثالب منح الجنسية المصرية لمن يقوم بوضع وديعة مالية في بنوك الدولة تفوق الفائده المرجوه من هذا المنح إذ هى تهدر الاساس الذى تقوم عليه جنسية شعب الدوله الذى يتمثل فى الرابطة الفعليه والانسانيه بين الفرد والدوله وليس فى الرابطة الماليه النفعيه. كما انه ليس من شأن تسهيل دخول الاجنبى الجنسيه المصريه مقابل وديعه ماليه تستولى عليها الدولة جذب كبار المستثمرين وكذلك الشركات الاجنبيه او متعددة الجنسيات ولن يؤدى سوى الى تسهيل دخول الجنسيه المصريه لكل وافد يسعى للهرب من دولته المطحونه ويملك مبلغ الوديعه المطلوبه للدخول فى جنسية الدوله المصريه . ولم تتوان مصر فى فتح ابوابها لاستقبال هؤلاء الوافدين الذين قد يملكون مبلغ الوديعه المطلوب وينشدون اكتساب جنسية الدولة المصرية التى تسعى بكافة الطرق للتخفيف من عدد السكان.
 
عضو لجنة وضع قانون الجنسيه المصريه لسنة1975