تلقيت منذ 3 أيام مكالمة تهديد ووعيد!

 
ورغم أننى اتخذت دائماً مبدأ عدم فرض ما هو خاص على الرأى العام، فإننى بعد تفكير عميق وجدت أن طرح واقعة التهديد الشريرة على حضراتكم ينقل المسألة مما هو خاص لما هو عام، ويطرح قضية موضوعية وليست ذاتية لأنها تتصل بحالة السقوط المخيف لأدبيات الحوار، وسيادة الفكر الميليشاوى الشرير على حياتنا الفكرية العربية التعسة!
 
والقصة ببساطة أننى، كعادتى، أستيقظ مبكراً كل صباح لإعداد أفكارى ومتابعة الأخبار لكتابة عمودى اليومى لحضراتكم.
 
وتصادف أننى فى ذلك اليوم كنت خارج الوطن وأقيم فى فندق فى عاصمة دولة عربية.
 
طلبت الإفطار والصحف، وأخذت أقلب فى قنوات التليفزيون الإخبارية كما هو روتينى اليومى المتكرر.
 
فجأة دق جرس هاتف الغرفة، ظننت أنها «الروم سيرفيس» تريد أن تسألنى شيئاً عن إفطارى اليومى العجيب، فإذا بى أسمع صوتاً عربياً ذا لكنة خليجية وأنه بالفعل ليس موظف خدمة الطعام الهندى الذى نمت بينى وبينه مودة على مدار الوقت.
 
وفيما يلى الحوار الذى دار بيننا فى تلك المكالمة الغريبة:
 
المتصل: صباح الخير يا أستاذ.
 
العبد لله: صباح النور، مين حضرتك؟
 
المتصل: أنا شخص لا تعرفه ولن تعرفه، لكننى علمت أنك فى المدينة بعدما رأيت صورك أنت والمدام فى افتتاح مسرحية أمس الأول.
 
العبد لله: ممكن طيب أعرف حضرتك عاوز إيه؟
 
المتصل: أنا عندى رسالة مهمة جداً، أرجو أن تأخذها بمحمل الجدية الكاملة.
 
العبد لله: أولاً من مين الرسالة؟ وما محتواها.
 
المتصل: اسمع الرسالة أولاً، وبعدين راح تعرف مصدرها.
 
هنا بدأت أشعر بأن المحادثة ليست مجرد مكالمة اجتماعية عادية، لكنها مكالمة من نوع آخر.
 
المتصل: نحن نريد أن ننبهك إلى أنك تلعب بالنار ولا تدرك مخاطر ما تكتب وما تقول!
 
العبد لله: ممكن تشرح لى أكتر لو سمحت؟
 
المتصل: أنت تكتب كثيراً عنا وعن قيادتنا وعن أفكارنا وعن سياستنا بشكل سلبى ومشين ومرفوض!
 
العبد لله: حينما تقول «تكتب عنا» ممكن أعرف تقصد من بـ«عنا»؟ ثم ما المشين والمرفوض الذى أكتبه؟
 
المتصل: نحن أشرف من فى المنطقة، ونحن الذين سوف ننقذ العالم العربى من أمثالك.
 
هنا أدركت أن المكالمة ليست فقط للإساءة والتهديد، ولكن للإهانة.
 
العبد لله: لو سمحت اختار ألفاظك، أنا ممكن أنهى هذه المكالمة فى أى لحظة! أنا يهمنى أن أفهم منك بأدب وبهدوء ما مشكلتك فيما أكتب.
 
المتصل: المشكلة ليست فيما تكتب فقط، ولكن ما تصرح به فى قنوات التليفزيون «العميلة» التى تستضيفك!
 
العبد لله: طيب يا سيدى ما المشكلة فيما أكتب وفيما أقول.
 
المتصل: أنت تتجرأ على قيادتنا، وتخطئ فى حقهم، وتحاول أن تسفه من قراراتهم، مما يجعلنا نشك فى نواياك.
 
العبد لله: يجب أن تتوقف عن سبابك هذا، وتتوقف عن لعب دور الخادم لأسيادك، وأن تعرف أن من تتقول عليهم هم أشرف منك ومن سادتك.
 
منحنى الله سبحانه وتعالى الحكمة القادرة فى تلك اللحظة على أن أمسك بأعصابى ولا أرد على بذاءاته حتى أعرف ما الذى أزعج من دفعوا به لمحادثتى وأتأكد من أن شكوكى المبدئية فى محلها.
 
العبد لله: مرة أخرى، أريد أن أعرف ماذا تريد بالضبط، أو كما نقول فى مصر: «هات من الآخر».
 
المتصل: بالعربى الفصيح، عليك أن تنسى أن دولة (كذا) وسمى الاسم، «موجودة على الخريطة».
 
ثم أضاف: لا تكتب عنا ولا تتحدث عنا بعد ذلك بالخير أو بالشر.
 
العبد لله: وإذا لم أفعل؟
 
المتصل: سوف ترى أياماً سوداء أنت وأمثالك ومن حولك!
 
العبد لله: ده تهديد صريح؟
 
المتصل: ده أقل حاجة ممكن تحصل لك!
 
العبد لله: طب قبل أن أنهى هذه المحادثة الرومانسية ممكن أعرف لماذا أنا بالذات؟ أنا لا أتذكر أنى يوماً قمت بإهانة أو سب أو استخدام ألفاظ نابية ضدكم.
 
المتصل: يا ليتك فعلت ذلك، لأنك فى هذه الحالة تسقط أمام الرأى العام فى بلادنا. ولكن خطورة ما تكتب وما تقول هو أنك تستخدم الوقائع والمعلومات بشكل مهذب، وهى فى الحقيقة ادعاءات وأكاذيب منمقة مثل دس السم فى العسل!
 
العبد لله: أوكى! إذا كان الأمر كذلك لماذا لا يرد أحد على شخصى الضعيف، بمعنى إذا كنت أكتب معلومات مغلوطة فليصححها لى، وإذا كان تحليلى لا يعجبه فليكتب ما يراه صواباً، وإذا كان رأيى خاطئاً فليكتب ما هو صحيح!
 
المتصل (بعصبية): نحن الآن فى أزمة، وليس لدينا وقت لفكرة «الهايد بارك» هذه التى يتم فيها ممارسة أكذوبة «حرية التعبير من خلال الرأى والرأى الآخر»، نحن باختصار نريدك أن تتوقف تماماً عن الاقتراب منا!
 
العبد لله: وإلا؟؟
 
المتصل: سوف ترى أسود أيام حياتك، وتتمنى أنك لست على قيد الحياة.
 
العبد لله: يعنى هيحصل لى إيه؟
 
المتصل: نحن لدينا كل مصادر القوة، المال، الرجال، شركات الترويج والتسويق، الكتائب الإلكترونية، شركات الأمن الخاص، يعنى لدينا القدرة على تدمير سمعة أى إنسان.
 
العبد لله: يا سلام!
 
المتصل: لا تأخذ الموضوع بسخرية، نحن نستطيع إذا أردنا أن نغتال أى إنسان معنوياً، وأن ندمر صورته أمام الرأى العام، لدينا الوسائل والأدوات - كما تعرف - القادرة على ذلك.
 
هنا بدأ يشرح ويعدد أسماء شخصيات كبرى ورفيعة فى العالم العربى تم التعريض بها من قبلهم.
 
هنا كان لا بد من وضع حد لهذا الابتزاز الرخيص، بعدما فهمت تفاصيل رسالة التهديد.
 
العبد لله: يا أخى، رغم كل الإساءات التى جاءت فى محادثتك هذه أرجو أن تنقل لمن أرسلوك وطلبوا منك تهديدى الآتى:
 
1 - أن ضميرى مستريح فيما كتبت وقلت تجاههم، ولا أشعر أن ما فعلته فيه أى تجنٍّ أو اعتداء عليهم.
 
2 - أعمل فى هذه المهنة منذ 45 عاماً، وتعودت أن أتعرض لمثل هذه التهديدات، وتحملت كافة أشكال الإيذاء النفسى، والشخصى، والمادى.
 
3 - لست كلباً لسلطة أو عميلاً لأحد، بدليل أننى دفعت فواتير كثيرة لأننى انتقدت أقرب الأصدقاء والحلفاء لى حينما أخطأوا.
 
4 - الحمد لله، أنا رجل مؤمن بالله، ومستقبلى وتاريخى خلفى وليس أمامى، لذلك أنا فوّضت أمرى دائماً لله الواحد الأحد.
 
وختمت المحادثة: «عفواً.. سوف أغلق الهاتف وأُنهى المكالمة الآن».
 
المتصل: سوف تندم، والله العظيم حتندم!
 
انتهت المكالمة، ولكن لم تنتهِ مسألة الصراع بين منطق صراع ما نعتقد أنه حق مع ما يعتقد غيرنا أنه باطل.
 
نحن فى عصر أصبح فيه شرف الكلمة مستباحاً بين بيع الضمائر بكيس من الذهب أو رصاصة فى العقل!
 
فوضت أمرى لله، وبانتظار الآتى (الذى ربما كان ضرراً أو تشويهاً) بلا خوف، لأن الحول والقوة لله وحده دون سواه.
نقلا عن الوطن