(1907- 1975 )

بقلم/ماجد كامل
يعتبر الدكتور مراد كامل (1907- 1975 ) واحدا من أهم رواد مصر'> الدراسات السامية والقبطية في مصر . ولد في 7 يولية 1907  في حي الفجالة بالقاهرة من أسرة ميسورة الحال ؛غير أنه تعرض لتجربة مريرة اذ توفي والده عام 1914 وهو في سن السابعة من عمره ؛ثم لحقت به والدته عام 1920 وهو في سن الثالثة عشر .فتولت عمته تربيته ورعايته ؛ألتحق بالمدرسة المارونية في مرحلة الابتدائية ثم مدرسة التوفيقية في المرحلة الثانوية . وبعد حصوله علي شهادة البكالوريا ؛التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية واللغات الشرقية جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) عام 1926 ؛وتخرج فيها عام 1930 ؛ونظرالتفوقه ونبوغه أوفدته الجامعة في بعثة دراسية علي نفقتها الخاصة إلي ألمانيا للحصول علي درجتي الماجستير والدكتوراة ؛فحصل علي الماجستير عام 1935 ؛وبعد ثلاث سنوات (أي عام 1938 ) حصل علي دكتوراة الدولة من جامعة توبنجن في اللغات السامية . وأثناء دراسته للدكتوراة حصل علي دبلومة في اللغة اللاتينية عام 1934 ؛ودبلومة ثانية في اللغة اليونانية في نفس العام. ثم عاد إلي القاهرة وعمل مدرسا بقسم اللغات السامية ؛وتدرج في سلك التدريس حتي صار أستاذا ورئيسا للقسم عام 1950 ولقد عمل علي تأسيس وإنشاء مدرسة الألسن (كلية الالسن فيما بعد ) وعين مديرا لها خلال الفترة من (1952- 1959 ). ونظرا لنشاطه العلمي المتميز ؛شغل العديد والعديد من عضوية الهيئات والمعاهد نذكر منها علي سبيل المثال :-

1-عضو المجمع العلمي المصري عام 1950
2-عضو المعهد الشرقي عام 1953 .
3-عضو علوم دراسة الأسماء بلوفان ببلجيكا عام 1955 .
4-عضو الأكاديمية الألمانية للآثار ببرلين عام 1959 .
5- عضو مجمع اللغة العربية عام 1961 .
6-عضو شرف المعهد التشيكسلوفاكي لدراسة الآثار المصرية جامعة كارل بيراغ عام 1965 .
7-عضو لجنة نوبل للسلام 1970 .
8- عضو مؤسس ووكيل لمعهد الدراسات القبطية بالقاهرة عام 1954 .
9- وكيل جمعية الآثار القبطية بالقاهرة .
10-أستاذا مدي الحياة في جامعة فرايبورج بألمانيا .
11- عضو أكاديمية العلوم الألمانية .

ولقد مثل الجامعة المصرية في مؤتمر المستشرقين المنعقد في باريس في يولية 1948 ؛وأنتدب أستاذا زائرا بجامعة انزبورك في عام 1951 . ومثل الجامعة المصرية في أكثر من مؤتمر نذكر منها مؤتمر دراسات العهد القديم المنعقد في كوبنهاجن في 25 يولية 1953 ؛ ومؤتمر المستشرقين المنعقد في كامبريدج في أغسطس 1954 ؛ومؤتمر المستشرقين المنعقد في ميونيخ في أغسطس 1957 ؛وأنتدبته جامعة سالزبورج لإلقاء عددا من المحاضرات في أغسطس 1956 .

أما عن اللغات التي كان يجيدها ؛فلقد ذكرت بعض المراجع أنها وصلت إلي 45 لغة ما بين لغات سامية وافريقية وأوربية وما بين لغات حية ولغات ميتة ؛فمن بين اللغات الحية نذكر نذكر منها ( العربية والعبرية والأمهرية والألمانية والأنجليزية والفرنسية والأيطالية والاسبانية ...ألخ) أما عن اللغات المنقرضة فنذكر منها (اللغة السومرية – اللغة البابلية – اللغة الأشورية – الكنعانية – الفينيقة – الآرامية بجميع لهجاتها – النبطية – السبئية – الحميرية ..... الخ ) ومن اللغات الأفريقية نذكر (السودانية المحلية – الجعزية- السواحلية – النوبية .... الخ ) ولقد كان لديه طموحا كبيرا أن يؤلف مجلدا كبيرا في محاولة لتوحيد اللعات الافريقية في لغة أفريقية موحدة عالمية . كما ألم باللغات الأرمنية والروسية والسنكسرتية ؛ ووأخيرا وهو في سن الخمسينات سعي لتعلم اللغتين الصينية واليابانية . وبسبب اجادته التامة للغة الأمهرية والجعزية ؛ طلبت الحكومة الأثيوبية الاستعانة به ؛حيث طلب منه الإمبراطور هيلاسلاسي أن يرأس البعثة المصرية التي تدير المدرسة الأثيوبية ؛فسافرت البعثة المصرية وكانت تتكون من عشرة أساتذة كان من بينهم الدكتور مراد كامل والدكتور زاهر رياض حيث وصلت أثيوبيا في أبريل 1943 ؛وترأس مراد كامل مدرسة تفري ماكونن الابتدائية ؛فأنشأ بها قسما للتعليم الثانوي ؛ ثم عينه الإمبراطور هيلاسلاسي مستشارا لوزارة التعليم والفنون الجميلة ؛فأنشأ مجمع للغة الأثيوبية ليقوم بوضع المصطلحات العلمية الأثيوبية بدلا من المصطلحات الغربية . ثم طلب منه الإمبراطور أن ينشيء مدرسة لاهوتية لتعليم الكهنة الأثيوبين ؛فرشح له الدكتور مراد كامل الاستاذ حافظ داود (القمص مرقص داود فيما بعد ) مديرا لها .وتم افتتاح المدرسة في أبريل 1944 ؛ ثم أخيرا طلب منه الإمبراطور هيلاسلاسي وضع مناهج المطالعة العربية لتدرس في مدارس المقاطعات الإسلامية ؛وقام الدكتور مراد كامل بشراء بعض الخطوطات الجعزية علي نفقته الخاصة ؛وعندما عاد إلي مصر أهدي بعض منها لمكتبة جامعة القاهرة والبعض الآخر لمكتبة المتحف القبطي وأحتفظ بالباقي في مكتبته الخاصة .

ولقد حصل سيادته علي العديد والعديد من النياشين والأوسمة نذكر منها علي سبيل المثال :-
1-وسام جوتة الفضي عام 1957 .
2-وسام أثيوبيا الذهبي عام 1958 .
3-وسام النجمة عام 1956 .
4- وسام كوماندر(الاستحقاق) من ايطاليا عام 1960 .
5- وسام الاستحقاق من الطبقة الأولي عام 1968 .
6-ميدالية وشهادة تقدير من البابا كيرلس السادس بطريرك الاقباط الأرثوذكس عام 1968 .
7- وسام التقدير من البابا بولس السادس بابا روما عام 1968 .

أما عن كتاباته ومؤلفاته ؛فلقد بلغت حوالي 170 بحثا وكتابا في المجالات الآتية :-
1-علوم اللغة .
2-الآداب العالمية .
3- دراسة المخطوطات وتحقيقها .
4- علم الخطوط .
5- البرديات والنقوش وشواهد القبور والاوستراكا .
6-الفنون القديمة والحديثة .
7-دراسة الأديان .
8-تاريخ وحضارات الشرق القديم .
9- سير العلماء .
10-الفهارس والمعاجم .


ففي مجال علوم اللغة ؛ كتب سيادته حوالي 40 بحثا ؛كان أولها بحثا بعنوان " اللغة العربية وتأثيرها علي لغة التحدث النوبية " ولقد نشر عام 1937 . وفي مجال الآداب العالمية نشر حوالي 18 بحثا لعل من أشهرها تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلي الفتح الإسلامي بالاشتراك مع الدكتور محمد حمدي البكري ودكورة زاكية رشدي . ولحن إيزيس ؛ قصة سليمان وملكة سبأ كما يرويها أهل الحبشة ؛ كما راجع الترجمة العربية لكتاب كارل بروكلمان "تاريخ الأدب العربي "والذي ترجمه إلي اللغة العربية الدكتور عبد الحليم النجار . وكما قام بتحقيق المخطوطات الاثيوبية بسيناء ؛تاريخ اليهود ليوسف بن جوريون ؛ كما قام بتحقيق مخطوط الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور لأبن عبد الظاهر. وفي علم الخطوط كتب عن الكتابات الأثيوبية . وفي مجال البرديات والنقوش قام بترجمة الخطابات الآرامية التي وجدت في منطقة تونة الجبل بالاشتراك مع الدكتور سامي جبرة .وفي مجال الفنون كتب عن الفن الاثيوبي والقصة المصورة في الفن الحبشي والفنون الشعبية السودانية ..... الخ .وفي تاريخ الحضارات كتب كتاب "كنوز الفاطميين بالاشتراك مع الدكتور زكي محمد حسن كما كتب مقالان عن الفلاسفة الأثيوبين في اقرن السابع عشر وروائع مدفونة في اليمن والحبشة بين القديم والحديث ..... الخ .

أما عن سير العلماء وتراجمهم ؛ فلقد كتب بحثين عن استاذه "انوليتمان" نشرا في مجلة كلية الآداب ؛ كما ترجم مقالا عن كارلو االفونسو نلينو ؛ كما كتب مقالا عن واحد من اساتذته المعروفين عالميا وهو " ايجين متفوخ (1876- 1942 ) وكتب مقالا عن كارلو كونتي روسين ؛كما كتب مقالا آخر عن كارل بروكلمان نشر في مجلة كلية الآداب عام 1960 ؛ وفي نفس العام نشر مقالا عن عالم التراث العربي المسيحي "جورج جراف" نشر في مجلة جمعية الآثار القبطية .

أما عن عمله في الفهارس والمعاجم؛ ففي عام 1951 كلفه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بالتوجه لدير سانت كاترين بسيناء لجرد محتويات مكتبة الدير وفهرستها وتنظيمها ؛فأنتهي من فهرسة حوالي 5071 مخطوطة مكتوبة باثني عشر لغة ؛كما قام بعمل قاموس للمصطلحات العسكرية جمع فيه حوالي 30000 كلمة انجليزي – الماني – فرنسي- عربي ؛كما قام بمراجعة المعجم الألماني العربي تأليف الاستاذ وديع فانوس ؛كما قام بكتابة مواد حرف الدال في قاموس الكتاب المقدس ؛ كما حقق قاموس "االمحكم والمحيط الاعظم في اللغة "تأليف علي بن اسماعيل بن سيدة ؛الجزء السادس .

ولقد ساهم الدكتور مراد كامل بالكتابة في مجال الدراسات والبحوث القبطية ؛ فكتب كتابه الرائد "حضارة مصر في العصر القبطي " كما شارك في موسوعة "تاريخ الحضارة المصرية "التي اشرف عليها العالم اراحل الكبير الدكتور حسين فوزي( 1900- 1988 )؛ حيث كتب الفصل الخاص بالحضارة القبطية ؛ وكتب عدة مقالات في العديد من الدوريات مقالة مثل "الرهبنة في الحبشة " و" يوحنا النقيوسي "و" القبط في ركب الحضارة العالمية ؛كما كتب مقدمة كتاب "القديس باسيليوس الكبير :نسكياته ؛قوانبينه الكنسية . وكتب سلسلة مقالات عن العلاقات بين الكنيسة المصرية والأثيوبية وكتب مقالا بعنوان"فنون القبط وحضارتهم " كما كان عضوا مؤسسا في معهد الدراسات القبطية كما ذكرنا سابقا ؛ وعمل أستاذا للغات السامية بالكلية الاكليركية بالقاهرة (وهي الكلية المختصة بتخريج رجال الدين المسيحي ) كما كان عضوا ووكيلا في جمعية الآثار القبطية بالقاهرة ؛ وكان عضوا في اللجنة التي شكلها البابا كيرلس السادس لترجمة الاناجيل الأربعة وكانت برئاسة كل من (المتنيح الانبا غريغوريوس اسقف البحث العلمي والدكتور سامي جبرة والدكتور مراد كامل والأستاذ حلمي مراد صاحب كتابي والأستاذ زكي شنودة ). كما ساهم في التحضير لمعرض الحضارة القبطية بالاشتراك مع الدكتور باهور لبيب (1905 – 1994 ) مع مجموعة من علماء الآثار الالمان ؛ حيث أقيم هذا امعرض في فيلا هيجل بأسن بألمانبا ؛ وتم فيه عرض 632 قطعة أثرية من العصر القبطي

أما عن مكتبته الشخصية؛ فلقد كانت ضخمة للغاية بلغت حوالي 20 ألف كتاب جمعها علي مدار 50 عاما تقريبا ؛ولقد ضمت المكتبة مجموعة كبيرة من القواميس والمعاجم ودوائر المعارف المتعلقة باللغات القديمة والحديثة علي السواء ؛كما شملت كتبا في علوم اللغة العربية والللغات السامية وآدابها ؛ كما شملت العديد من الكتب والمراجع عن تاريخ الشرق وحضاراته ؛وكتب عن تاريخ أفريقيا ؛وكتب مختلفة في جميع أنواع الفنون وسير العلماء والمفكرين والعاقات بين الشعوب والحضارات ؛ وكتب مختلفة في علوم الخط وعلوم الوثائق التي نشرت عن البردي والأوستراكا ؛كما وجدت أعدادا هائلة من المجلات والدوريات العلمية والدينية والإجتماعية . ولقد أوصي قبل وفاته بعام واحد بتبرعه لهذه المكتبة إلي بطريركية الأقباط الارثوذكس ؛وبعد وفاته تم تشكيل لجنة برئاسة المرحوم الأنبا صموئيل ( 1920- 1981 ) أسقف الخدمات العامة والاجتماعية لجمع وجرد هذه المكتبة ؛ ولقد تم جمع المكتبة في أكثر من 60 صندوقا ؛وتم عمل بطاقت فهرسة لها ؛وهي حاليا محفوظة في المركز الثقافي القبطي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية .

ولقد توفي الدكتور مراد كامل في يوم الخميس 16 يناير 1975 عن عمر يناهز حوالي 68 عاما بعد مرض في الكبد لازمه مدة طويلة . ولقد نعاه الكاتب الصحفي وعالم الآثار المرحوم الأستاذ كمال الملاخ


( 1918- 1987 ) في عدد جريدة الأهرام الصادر يوم الجمعة 17 يناير 1975 بعبارات رثاء جميلة جاء فيها " فقدت مصر أمس عالما كبيرا من علمائها هو د,مراد كامل عضو المجمع اللغوي والوحيد في الشرق العربي الذي يجيد 40 لغة : بينها الامهرية وهو أحد خبرائها العالميين " .

ويبقي في النهاية تعريف سريع بمحتويات كتاب "حضارة مصر في العصر القبطي " فهو يعتبر دراسة متكاملة عن العصر القبطي تتضمن ( مقدمة تاريخية من دقلديانوس حتي هرقل – العصر البيزنطي ويشمل النظم الاداري والجيش والمال ؛ وفي الفصل الأول من الكتاب وصف للحالة السياسية في القرون الستة الأولي ؛والفصل الثاني الحياة اللغوية حيث يتناول اللغة القبطية ولهجاتها وأثرها خارج مصر ؛ والفصل الثالث الحياة الفكرية حيث يعرض لمدرسة الاسكندرية وأشهر أساتذتها ؛ثم تاريخ البطاركة والمصادر التاريخية لسير البطاركة والأنتاج الأدبي والثقافة الشعبية – الفصل الرابع من الكتاب يعرض للفن القبطي من حيث العمارة والرسم والمنسوجات والخط والتجليد والموسيقي والألحان – الفصل الخامس يعرض للحياة الاجتماعية ثم التقويم القبطي وتطوره وأخييرا يعرض للحياة الرهبانية في مصر من حيث نظم الرهبنة وآثارها وانتشارها في جميع أنحاء العالم المسيحي ) .

ويبقي في نهاية المقالة حلم وأمل هو ظهور طبعة شعبية من هذا المرجع القيم طبعة خاصة عن مكتبة الأسرة . ثم صدور طبعات حديثة من بقية مؤلفات العالم الكبير ؛ وذلك تخليدا لذكراه .