كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
أكد الرئيس السيسي في اجتماعه بنخبة من علماء مصر، أن منظومة القيم والأخلاق في المجتمع تعد الحاكم الأول لسلوك المواطنين في المجتمع، وتقوم بدورٍ جوهري في تقدم الشعوب والأوطان، وتمثل حافزاً ووازعاً لمزيد من العمل والإنتاج، فضلاً عن نشر الرُقي والتحضر في كافة مناحي الحياة سواء في الشارع المصري أو على المستويين الثقافي والأدبي.وكان الدكتور محمد غنيم، عضو مجلس علماء مصر قد صرح ، إن أعضاء المجلس عرضوا على الرئيس عبد الفتاح السيسي إنشاء لجنة لتنمية الأخلاق والضمير، وتعزيز قيم العمل والانتماء، لتباشر عملها تحت رعاية مؤسسة الرئاسة، موضحا أن منظومة الأخلاق تحتاج إلى روابط حتى تتحقق، منها الأزهر، والتعليم، والإعلام، موضحا أنه يجب تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية حتى تحسن المحتوى الأخلاقي للأفراد.
 
" هنا في مصر ولد الضمير " قالها جيمس هنري بريستد في كتابه " فجر الضمير " .... وفي مصر ــ بل وفي منطقتنا العربية كلها ــ نعيش مناخاً ينحو بنا إلى منعطف ينأى بنا بعيداً عن القيم الإيجابية التي يجب أن تكون هي الأعلى والأهم لتحقيق التقدم .. وبات مثقفونا وقادة الفكر المخلصين أمام حائط فاصل يعانون خلفه صعوبة فهم لوغاريتمات الناموس القيمي  المطروح ( إذا جاز أن نسميها قيماً )  الذي يمارس بمقتضاها الناس في منطقتنا أفعالهم المستهجنة وكأنها من مُسلمات وبديهيات العصر في التعامل .. بؤدونها في سلاسة وانسيابية وتدفق دونما إحساس بالذنب أو تأنيب للضمير !! 
 
وأعتقد أنه على هؤلاء ممن يتقدمون الصفوف لإحداث أي تغيير لتشكيل واقع جديد لنتجاوز عبره أزمنة البلادة والتراجع العودة إلى الأصيل والإنساني من القيم دون التوقف عند تشخيص ملامح الماضي والتباكي على اللبن المسكوب.
 
فماذا نرى الآن ؟ ! .. نتابع الآن كبف يتناصح الكثير من موظفينا ـ على سبيل المثال ـ في دواوينهم الحكومية بتلكالمقولات والمأثورات الرذيلة .. يقولون " اشتغل كتبر تغلط كتبر "   و" على قد فلوسهم " و" واللي مالوش ظهر.. " و"الصعبة مااعرفش أعملها والسهلة ليه فيها "  و" ده مش شغلي .. ده شغل أمين أفندي " .. أما بعض مسئولينا فقد رفعوا شعارات الخوف وتواصوا بمقولات " طاطي للريح " و" إحنا في النهاية بنفذ  سياسة " و" اللايحة ديني ومذهبي " .. وبعضهم قالوا تبريراً للانفلات والتسيب " نحن لن نعمل بأيدي مرتعشة " و" اللي تغلب بيه إلعب بيه " و" الفرصة بتيجي مرة واحدة " ..
 
وبتنا نعلم أولادنا مناهج تزخر بسوء الاختيارات والتوقف عند ملامح معرفية أصبحت في ذمة التاريخ .. نلقنهم في البيوت حكماً وأمثالاً تدفعهم للتواكل والسلبية والانسحاب المبكر من دنيا الغد .. ونردد أمامهم مقولات " إعلامنا الرائد " بينما يروننا نتابع كل محطات الدنيا وقنواتها التليفزيونية إلا محطاتنا الحكومية التي توقفت عندما أسموه مرحلة الريادة وحمل لواء الإبداع ، ولم يعد لدينا من ملامح تلك المرحلة إلا اسمها وشعاراتها وبنية أساسية ضخمة دونما إنتاج متميز أوتوافر كوادر إعلامية يمكن أن نفاخر بها ..  وقالوا لتلاميذ المدارس هذه هي مدارسكم نظيفة جميلة متطورة ومنتجة فهل وجدوها كذلك ؟! .. أي قيم هذه التي يبثها المجتمع لأفراده وفلذات أكبادنا ..؟!
 
لقد صار اهتمامنا بالمناصب والكراسي واللوائح والوجاهة الاجتماعية أعلى وأهم من الرسالة المنوط بصاحب الكرسي وشاغل المنصب أن يؤديها .. ولعل مايدهشنا أنه عندما كنا نعيش زمن الكتاتيب والمدارس القليلة ، كان المشهد الثقافي والعلمي زاخراً بالرواد في الفكر والأدب والفلسفة والعلوم .. فكان أحمد لطفي السيد وطلعت حرب وجمال حمدان وسيف وانلي وغيرهم كثيرون .. والآن لم يعد بيننا من أعلام أو نماذج نحتفي بها سوى اللمبي وبوحة وطرائيعو وعبده موته بعض رجال الأعمال من نجوم صفحات الحوادث ولاعبي كرة القدم العجزة .. وبعض نفر قليل من أصحاب الانتماءات الإيديولوجية المريضة التي تجاوزها العصر ..
 
إن الإعلام المصري يواجه بشكل عام والمرئي  بشكل خاص تحدياً حقيقياً إذا كان القائمون عليه يريدون حقاً أن يتجاوزوا شعاراً لم يعد له معنى يحمل شارة الريادة وصكوك السبق وشهادات تاريخ في عصر لم يعد يقبل فيه العالم أعذار أصحاب معلقات الفخر والاعتزاز بفتوحات زمن المجد التليد .. 
 
لقد ذكرتني شارة الريادة التقليدية التي نرفعها في كل مناسبة إعلامية بالصراع الذي دار في بداية القرن الحالي بين مسئولي ناديي الأهلي والزمالك للحصول على لقب نادي القرن الماضي في أفريقيا ليحصدا جهد أجيال جادة سبقتهم كانوا قد حققوا بالفعل ريادة في عصور كانت علاقة أندية إفريقيا بكرة القدم كعلاقة شعبان عبد الرحيم بالفمتو ثانية ، ولم تحاول إدارة أي من الناديين النظر إلى الحال التي وصلا إليها من فنون اللعبة وحرفياتها وترتيبهم دولياً الذي تراجع بعد أن تبادل الجميع الأدوار واختلط الحابل بالنابل حتى حصول اللعبة واتحادها ووزارتها بكل هيئاتها على الصفر الكبير بجدارة وريادة أيضاً غير مسبوقة !!
وإذاكان توفيق الحكيم قد حلم بعودة الروح ، وبعدها بعودة الوعي ، فيبدو أن حلم " عودة الضمير" بات الأمل المنشود في زماننا .. وللموضوع بقية.