للباحث مجدى صادق
تحتفل الكنيسة القبطية في الحادى عشرمن شهر طوبه القبطى سنويا بعيد الظهور الإلهى المعروف بعيد الغطاس المجيد, ويعد هذا العيد من الأعياد السيدية الكبرى حيث تحتفل فيه الكنيسة بذكرى معمودية السيد المسيح ابن إلوهيم الوحيد على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن وحلول الروح القدس عليه في هيئة جسمية وصوت الآب من السماء يشهد له قائلا: هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت .

لهذا يسمى هذا العيد بعيد الظهور الإلهى لأن فيه استعلن الثالوث كاملا الآب من السماء شاهدا للابن الكلمة المتجسد في نهر الأردن, وروح الأب الذى هو روح الأبن حال عليه في نهر الأردن في صورة جسمية شاهدا للأبن بأن هذا هو الابن الحبيب الذى يسر به الآب, وليعرف يوحنا فيه حمل إلوهيم الذى يرفع خطية العالم ,والذى يعمد بالروح القدس ونار.
يتصور البعض بجهالة أنه بما أن الآب تكلم من السماء شاهدا للابن بأنه ابنه الحبيب وأن الروح القدس حل عليه للدلالة على أن الأبن هو المقصود بهذه الشهادة أنهم ثلاثة أشخاص.

من منطلق هذا الفهم الخاطىء قال احدهم بجهالة: إذا كان المسيح هو ابن إلوهيم وكان واحدا مع الآب والروح القدس , فكيف حل عليه الروح القدس فى المعمودية فى هيئة جسمية مثل حمامة وسمع صوت من السماء يقول له: انت ابني الحبيب بك سررت ( لوقا 3: 21-22 ).

فإن كان واحد مع الآب فكيف يكلمه الآب, وإن كان الروح القدس هو روح الابن فكيف حل عليه, هل كلم نفسه أو حل الروح القدس على نفسه .

الرد
هذه الأٌقوال هى أقوال نسطور الذى يعتقد أن المسيح ليس ابن إلوهيم بل إنسان نظيرنا, وأن الروح القدس حل عليه فى الأردن وقدسه.
ولكن إن كانت روح المسيح إنسانية فلا يكون المسيح إبن إلوهيم. فإن لم يكن المسيح ابن إلوهيم فكيف شهد له الآب بأنه ابنه الحبيب الذى به سرت نفسه, إن كان المسيح إنسان نظيرنا فكيف يشهد له الآب بأنه ابنه الحبيب أي ابنه المولود منه منذ الأزل.

إن كان المسيح إنسان مثلنا. فكيف يسمى هذا إستعلانا أو ظهورا إلهيا للثالوث الابن في الأردن والروح يحل عليه وصوت الآب يشهد له هذا هو ابنى الحبييب الذى به سررت.

هل الابن الحبيب مخلوق أم هو ابن إلوهيم المولود من الآب منذ الأزل. فإن كان المسيح إنسان وليس ابن إلوهيم فكيف شهد له الآب بأنه أبنه الحبيب أى ابنه الأزلى.

المسيح هو صورة الآب من رآه فقد رأى الآب. لهذا شهد له الآب.
فكيف يشهد إلوهيم عن إنسان نظيرنا بأنه ابنه الحبيب أي ابن مسرته وهو من جوهر مختلف عنه.

أما المعترض فيرى أن الآب والروح القدس ليسوا واحدا مع المسيح لأنهم إن كانوا واحدا فكيف ظهروا منفصلين وكيف كلم نفسه أو حل على نفسه, وهذا برهانه على كونهم ليسوا واحدا.

لأن القول أنهم واحد معناه أن المسيح واحد مع الآب والروح القدس , وأن المسيح كائن بالآب المولود منه , وأن الروح القدس هو روح المسيح وهذا يبطل مذهبه ومعتقده.

لهذا يقول المعترض : إن كان الروح القدس هو روح المسيح فكيف يقول الكتاب عن المسيح أنه امتلاء من الروح القدس وانه كان يقتاد من الروح بالقول:
أما يسوع فرجع من الاردن ممتلئا من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية ( لوقا 4 : 1 ).
فمن الواضح أن يسوع ليس هو الروح القدس الذى كان ممتلئا منه وكان يقتاده في البرية.

وهذه الجهالة مردودة أيضا بأن هذا القول عن يسوع أنه كان ممتلئا من الروح القدس وكان يقتاد منه لا يعنى ان الروح القدس لم يكن روحه الخاص لأن المسيح هو ابن إلوهيم الحى بالروح القدس الذى هو روحه الذاتي. فإن قيل أنه امتلأ من الروح فهو مثل القول منذ الأزل مسحت ( أمثال 8 : 23 ) رغم أن المسحة الأزلية لا بداية لها, لأن الماسح ( الآب ) والممسوح ( الابن ) والمسحة ( الروح القدس ) واحد في الجوهر.

فالمسيح هو اسم الثالوث وهو الحكمة الذى بمسحته أي بروح قدسه يملك الملوك ( أمثال 8 : 15 ) وإذ هو مالك المسحة التي بها يملك الملوك فهذا برهان أنه ممسوح ازليا بمسحة ذاتية لأن روح المسحة هي روحه الخاص.

واما عن حلول الروح القدس الذى هو روح الابن عليه في نهر الأردن فيقول في هذا : لأجلهم أقدس أنا ذاتي ، ليكونوا هم أيضا مقدسين في الحق ( يوحنا 19 : 17 ).

وعلى ذات المنوال يقول داود النبى : قال الرب لربى اجلس عن يمينى ( أعمال 2 : 34 ).
فهل تفهم من ذلك وجود ربين أحدهم رب داود. لأن الرب ( الآب ) قال لرب داود ( الابن ) إجلس عن يمينى, وكأنه لم يكن يجلس عن يمينه بالطبيعة والجوهر.

لأن الجلوس عن اليمين لا يعنى الجلوس حرفيا عن يمين الآب وكأن هناك ربين. لأن اليمين يعنى القوة , ومن ثم فإن الجلوس عن يمين الآب يعنى الجلوس في مجد قوته أي مجد الآب.

ومن ثم فإنه قياسا على فهم المعترض القاصر سيكون هناك ربان ببرهان أن أحدهما قال للآخر .

والواقع أن هذا القصور في الفهم سيؤدى إلى قصور في فهم الكتاب المقدس كله وفى عدم فهم قول داود في المزمور القائل:
كرسيك يإلوهيم إلى دهر الدهور .. من أجل ذلك مسحك إلوهيم إلهك بزيت الإبتهاج ( مزمور 45 ) فكيف مسح إلوهيم إلوهيم بزيت الإبتهاج ( الروح القدس روح المسرة والبهجة ).

هل نفهم من هذا أن هناك إلهين وأن أحدهم مسح الآخر فصار مسيحا أم أن الماسح هو الآب والممسوح هو الابن والمسحة هو الروح القدس, وأن الثلاثة هم واحد.

إن روح يسوع هو الروح القدوس المولود من مريم حسب الجسد وكان يقتاد بروحه فى البرية وكان ممتلئا دائما من الروح.
لأنه كمسيح هو ممسوح أزليا من روحه, ولم يكن محتاجا لمعمودية يوحنا التى للتوبة لأنه بلا خطية ولأنه القدوس ابن إلوهيم.
لهذا اقتبل المعمودية من يوحنا قائلا أنه ينبغى أن نكمل كل بر.
فكل ما صنعه الرب كان يصنعه كنائب عن البشرية بسبب الجسد الذى اتخذه.
لهذا يقول من أجلهم أقدس أنا ذاتى.

فلماذا يقدس ذاته وهو مقدس أصلا. إنه يصنع ذلك لنكون نحن مقدسين فيه.
وفى هذا يقول الرب: لأجلهم أقدس أنا ذاتي ، ليكونوا هم أيضا مقدسين في الحق ( يوحنا 19 : 17 ).
لأنه ينبغى أن يتمم فى جسد بشريته كل بر لكى نكمل به.

أما إن كان المسيح مجرد إنسان مثلنا له روح إنسانية عاقلة كما يزعم المعترض فهل كان يمكن أن يقال عند مجيئه للعماد مثل سائر البشر :
" وإذا السماوات قد انفتحت له. فرأى روح إلوهيم نازلا مثل حمامة وآتيا عليه وصوت من السموات يقول هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " ( متى 3 : 16 ) .

لو كان المسيح مجرد انسان مثلنا فلا يكون ابن إلوهيم المولود منه منذ الأزل, ولا يكون مساويا للآب في الجوهر, ومن ثم لا يمكن أن يشهد له الآب قائلا : " هذا هو ابنى الحبيب له اسمعوا " بل لسمع القول " الجميع زاعوا وفسدوا واعوزهم مجد إلوهيم . ليس من يصنع صلاحا ليس ولا واحد " .

فالابن المشهود له إذن ليس مخلوق مثلنا. بل هو نفسه الابن الوحيد الجنس بهاء مجد الآب ورسم جوهره. من رآه فقد رأى الآب. لهذا يقول أيضا:
أنا هو الشاهد لنفسي ، ويشهد لي الآب الذي أرسلني .. لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا ( يوحنا 8 : 18 – 19 ) ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه ( بوحنا 14: 7 ) لأنه والآب واحد. من رآه فقد رأى الآب , وأيضا من رآه فقد رأى الذى ارسله ( يوحنا 12 : 45 ).

أما القول كيف ارسل نفسه أو كيف حل على نفسه وفقا للمقاييس البشرية التي ترى وجوب وجود فرق بين الراسل والمرسل ولا يمكن أن يكون الراسل والمرسل واحد , إذا لا يعقل بحسب منطق البشر أن يرسل المرسل نفسه او يحل على نفسه أو يشهد لنفسه ولسان حال المعترض كيف يكون الراسل هو والمرسل واحد ؟ هل ارسل نفسه ؟

والجواب نعم لهذا يقول :
أنا والآب واحد ومن رآنى فقد رأى الذى أرسلنى ( يوحنا 12 : 45 ) .
وأيضا من رآه فقد رأى الآب والروح القدس .

لهذا قال لتلاميذه عن نفسه بأنه واحد مع الروح القدس لأن الروح القدس المنبثق من الآب هو روح الابن بقوله :
روح الحق ( أي روح المسيح الذى هو الحق والحياة ) الذي لا يستطيع العالم أن يقبله ، لأنه لا يراه ولا يعرفه ، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ( أي في أيام تجسده لأن روح المسيح هو الروح القدس الذى لا يستطيع العالم أن يراه ولا يعرفه اما التلاميذ فقد رأوه في شخص المسيح كما رأوا الآب أيضا ) ويكون فيكم ( يوحنا 14 : 17 ).

هذا هو الحق الذى لا يستطيع أمثال هؤلاء الجهال المتعظمين بفكر قلوبهم أن يقبلوه.

لأنهم بعد أن عرفوا بأن يسوع المسيح هو إلوهيم الذى جاء في الجسد أنكروه وزعموا انه انسان مثلنا نال حلولا إلهيا وامتلاء من الروح القدس مثلنا فتم فيهم قول الكتاب:

لأنهم لما عرفوا إلوهيم لم يمجدوه أو يشكروه كإله ، بل حمقوا في أفكارهم ، وأظلم قلبهم الغبي, وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء, وأبدلوا مجد إلوهيم ( صورة إلوهيم كإبن إنسان ) الذي لا يفنى ( أي لا يموت بمعنى أن جسده بسبب روح الحياة الذى فيه صار غير مخضع لسلطان الموت كسائر البشر ) بشبه صورة إنسان ( بقولهم أن المسيح المولود من مريم ليس هو الكلمة بل مجرد إنسان مثلنا ) يفنى ( يموت أي ان جسده يخضع لسلطان الموت دون أن يملك ان يقيمه بروحه الذاتي ) ( رومية 1 : 21- 23 ).

لأنه إن كان المسيح إنسان مثلنا وله روح إنسانية عاقلة مثلنا وحل في جسده كل ملء اللاهوت ( كولوسى 2 : 9 ) كما يزعم النساطرة فلن يكون هناك فرق بيننا وبينه لأننا نحن أيضا مملوؤون فيه ( كولوسى 2 : 10 ) وحتى أن قيل أنه إمتلاء بكل ملء اللاهوت من البطن فلن يكون هناك فرق بينه وبين يوحنا المعمدان الذى امتلىء من الروح القدس من البطن ( لوقا 1 : 15 ).

والخلاصة انه إن كان المسيح مجرد إنسان مثلنا فلا يكون هو ابن إلوهيم الوحيد الجنس المولود من الآب منذ الأزل.
وإن كانت روح المسيح إنسانية بحسب زعم المعترض فلن تكون غير محدودة ومن ثم لا يستطيع أن يرسلها لتملاء الكل بسبب محدوديتها ( أفسس 4 : 9 – 10 ).

وإن كان المسيح مجرد إنسان نظيرنا فكيف تجاسر أن يعطى وعدا بأن يرسل لهم معزيا آخر أي الروح القدس. حاسبا نفسه معزيا في نفس درجة الروح القدس المعزى. قائلا أنه سيرسله إليهم باسمه ( بمعنى أن الروح القدس سيأتى باسم المسيح لأنه روح المسيح ) ليكون فيهم بروحه بعد أن يصعد بالجسد.
أما ان كانت روح المسيح هي روح إلوهيم غير المحدودة فإنه يستطيع أن يرسلها لتسكن فينا وترشدنا إلى جميع الحق لأنها روح الحق أي روح المسيح . الذى نحيا به ويحيا فينا. أو كما يقول بولس الرسول :

فاحيا لا أنا بل المسيح يحيا في ( غلاطية 2 : 20 ) .
فهل لو كانت روح المسيح إنسانية محدودة وليست الروح القدس غير المحدود هل كنا نتجاسر ونقول مع بولس الرسول فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في.

إن كانت روح المسيح إنسانية فإنها لن تستطيع أن تحييه هو نفسه بل ستمسك مثل سائر أرواح البشر من جسد الموت. إما إن كانت روح المسيح إلهية فإنها تكون بالحق روح الحياة القادرة على أن تعتقنا من حكم الخطية والموت ( رومية 8 : 2 ) فنحيا به ويحيا فينا بروحه الساكن فينا ( رومية 8 : 2 )( كورنثوس الثانية 4 : 14 ).

ويقول المسيح أيضا : وأما المعزي ، الروح القدس ، الذي سيرسله الآب باسمي ( أي باسم المسيح باعتباره روح المسيح ) فهو يعلمكم كل شيء ( يوحنا 14 : 26 ).