وسيم السيسي
كان الغزو العثمانى لمصر 1517م، كان المماليك يحكمون مصر، وكانوا عبيداً يُجلبون من تركستان والشيشان وغيرهما، كان الاحتلال المملوكى العثمانى كارثة على مصر.

قبل الحملة الفرنسية «1797-1801» كان إبراهيم بك ومراد بك يحكمان مصر.. نهب.. سرقة.. غارات من البدو.. الهروب من مصر.. سمعوا بمجىء الفرنسيس، انتظروهم بالدفوف، والصياح، وصل الجنود، سقطت مصر فى ثلاثة أرباع ساعة! هرب المماليك بعد موقعة إمبابة، فرّ مراد بك إلى الصعيد، وإبراهيم بك إلى الشام.

أرسل شيوخ الأزهر رسولاً مغربياً يتحدث الفرنسية، ومعه صاحبه، استقبلهما نابليون بونابرت، طمأنهما، طلب مقابلة من يمكن أن يديروا الأمور، اطمأن الناس، أنشأ ديواناً لراحة الناس وتطبيق الشريعة.

انتشر الفرنسيون فى الأسواق، كانوا يشترون بأغلى من المألوف، يقول الجبرتى «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار، ص 122»: لم يفعلوا ما كان يفعله المماليك والعثمانيون من قتل ونهب وسرقة وسبى النساء! وكان الناس يتشوقون لمعرفة ما سوف يفعله الفرنسيس بهذا الأفاقى «الأفاق» الأهوج سليمان الحلبى الذى قتل كبيرهم كليبر، رتبوا حكومة «محكمة» ومحاكمة، ثم نفذوا الحكم بما اقتضاه التحكيم، بخلاف ما رأيناه من أوباش العساكر الذين يدعون الإسلام. يحدثنا المستشار محمد سعيد العشماوى، وكان صديقاً تتعثر فى منزله فى جبال الكتب! من الباب للشباك، فى كتابه «مصر والحملة الفرنسية»: الشىء العجيب أن المصريين لم يطلبوا تطبيق الشريعة، وهم مسلمون، من حكامهم المماليك وهم مسلمون كذلك، إنما الذى أعلن ضرورة تطبيقها الجيش الفرنسى بلسان وإقرار قائده، «ص 53».

يقول الجبرتى عن الفرنسيين: إنهم لا يكذبون لأنهم لا يتعاطون الحشيش، ويشربون فى اعتدال، والذى يخرج عن حد الاعتدال يُعاقب. وكان الجبرتى مندهشا لأنهم يدفعون ثمن ما يأكلون! ويذهبون لحالهم دون ضجيج أو عدوان.

يحدثنا الجبرتى عن المجمع العلمى، والقضاة من المصريين، وإضاءة الشوارع، ورشها، وتبخير البيوت، والدفن بعيداً عن البيوت، وجسور أعلى النيل، والحدائق والمتنزهات ومواثيق للميلاد، والموت، والزواج، وإدخال الأداوات «التقنية» فى العمل، مثل العربات الصغيرة ويداها ممتدتان للخلف لحمل القصاع والغلقان «جمع قصعة وغلق»، كما طلب نابليون منهم أن ينتخبوا شيخاً من العلماء على شرط أن يكون من أهل مصر، ومولودا بها، يتولى القضاء، ويقضى بالأحكام الشرعية.

جاءت الحملة الفرنسية ومعها 167 عالماً فى كافة العلوم والفنون، حتى إنهم مكثوا عشرين عاماً يكتبون «وصف مصر» «1809- 1829»، ولكن أخطر ما جاءت به أنها غيرت مفهوم المواطنة! كانت المواطنة بالعرق تركى أم «فلاح مصرى»، بالدين «مسلم أم كافر»، بالقرب من الحاكم «بالدم أو بالعمل»، بالقوة المالية «غنى أو فقير»! جاءت الحملة الفرنسية بحادثة الميلاد كمفهوم جديد للمواطنة: أنت وُلدت على أرض مصر لك كل الحقوق وعليك نفس الواجبات التى لأى إنسان آخر وُلد على هذه الأرض، بغض النظر عن العرق أو الدين أو القرب من الحاكم أو القوة المالية. واضح من كلام الجبرتى أن العلاقة كانت سمناً على عسل، مادام الحال كذلك فما الذى عكر صفو العلاقة بين الجانبين؟!. يقول البعض إن المصريين قاوموا الاحتلال، وإنهم قاموا بثورتين!.

دعونا من الأقوال المرسلة، وهيا بنا إلى المؤرخ المصرى عبدالرحمن الجبرتى.. فإلى الأسبوع القادم إن شاء الله.
نقلا عن المصري اليوم