medhatbeshay9@gmail.com
 
تشكل  النكات والقفشات الكوميدية النصيب الأوفر على صفحات التواصل  في دعم الشائعات لجاذبيتها وحاجة المستخدم الفسبوكي للابتسام والخروج من دوائر الجد والهموم اليومية ..
 
لا ريب أن أحد أسباب بقاء حضارتنا العظيمة ووجودنا المصري ذاته يعود إلى هذا التراث الإبداعي العبقري المرسل لكل الدنيا عبر كل العصور الماضية ، وبرغم مايقال أن حضارتنا القديمة حضارة نكد وموت وبناء أهرامات للاحتفاء بموتى و الحديث الدائم عن حياة الخلود بعد الموت ، ولكن الأمر في الواقع مختلف عما يُشاع  .. لقد كان للمصري حكمة يرفعها " لا تضيع صدر النهار، ولا تُفسد ساعة المتعة " كفلسفة وتوجه عام لبشر تلك العصور العظيمة ...
 
و لأننا أولاد مبدعي تلك الحضارة المبهجة ، فالنكتة والدراما الكوميدية تُعد أحد مصادر ووسائل صناعة البهجة ، وهي تثير الكثير من التفاعل الإيجابي من جانب المتلقي ككل أنواع الدراما بأشكالها المختلفة ، إنما ما يميزها لا يتوقف على إثارة الانفعالات  والعواطف كما يحدث لمتلقي التراجيديات، وإنما يعتمد على العقل الذي يظهر في سرعة البداهة أو قوة الحدس ، ولابد للضحك أن يتجرد من إثارة الانفعالات والعواطف كالرحمة ، والشفقة ، والخوف ، والدهشة ، والإعجاب ـ لأن الكلمة المضحكة أو المنظر المضحك لا يضحكنا إلا إذا كانت نفوسنا خالية هادئة غير مبالية وإلا إذا نظرنا إليه بعين العقل لا بعين العاطفة
.
 
و لأن الإشاعة قد تنطلق على شكل نكتة أو طرفة مرسومة أو مسموعة أو من خلال " بوستات " مواقع التواصل الاجتماعي ، فقد باتت لدينا جماعات أراهم ــ في أحيان كثيرة ــ قد تم توظيفهم لترويج أشكال نقدية تتسلل بنعومة وطرافة ، و ليس مهمًا أن تكون الإشاعة مرتبة ومحكمة ، ، ولكنها في بعض الأحيان قد تنطلق على هيئة  نكات أو قفشات لصناعة وصياغة مواقف في غير صالح التوجه العام ، والفكاهة والنكتة تؤدي الغرض الذي يريده أهل الشر المتآمر ، بطريقة لطيفة متضمنة طابع التشويق والإثارة ، ويرتاح لها السامع والمتحدث ولا يعترض عليها المتلقي في كل أحواله  لترسخ في الذهنية العامة ما من شأنه تحقيق أهداف معادية للصالح العام ، ولا ينساها مُتلقيها بسهولة ، وبهذا تكون آثارها قوية ومستمرة وتكون أيضًا مصدر لنكات أخرى ، فالنكتة السياسية إذن كما أشار ( هانس يوخيم كام ) تمثل مقاومة بكل معانيها فهي أي النكات كأسلوب لنقل التقولات والإشاعة تبتغي التنديد بالمستهدف بالنكتة وجعله أضحوكة وبواسطتها تتم تعرية جزئية لقوة الشخص الهدف ، فتعرية وتُنقص من هيبته ، والاتحاد بين التقولات والنكتة يحتاج فقط إلى تحديد ، ثم تجري التقولات والنكات التي توفر بدورها إدراكًا ما كان مستورًا من قبل مثلما تساعد على إزالة الخوف .. مثل الخوف من أجهزة السلطة ( الدولة و مؤسساتها ومختلف أنواع السلطة والنفوذ) وتعمل على الإقلال من احترام غير المرغوب أمام الشخصيات المزعومة ..
 
وهدف الضحك الذي تثيره النكتة هو خلع ستار الجدية التي تحيط به السلطة نفسها ويؤدي بها إلى أن تكون موضع الاستهزاء والسخرية .. .
ومن أقدم الشواهد وأكثرها سطوعًا على استخدام سلاح النكتة بوصفها أسلوبًا من أساليب الإشاعات للإطاحة برموز مستبدة ، سيل النكات التي أطلقها المصريون لإظهار المعارضة للحاكم ( بأمر الله الفاطمي ) الذي كان شديد المحافظة إلى حد أن هذه النزعة طغت على الحريات الشخصية ، فمنع النساء من التجول في الأسواق ، و تحريم الخليفة لأكل الملوخية مثلاً ، وكذلك ما أشيع حول شخصية الوزير( بهاء الدين قراقوش ) وهو من الشخصيات التاريخية الفذة التي طغت عليها صورة ساخرة افتعلتها يد أديب من الأدباء المعارضين له وهو  ( ابن مماتي ) الذي ألف له كتابًا أسماه ( الفاشوش في أحكام قراقوش ) استطاع بواسطته مسخ شخصية الوزير قراقوش بالشكل الساخر الذي نعرفه عنه الآن .
 
وقد شهدت التجارب المعاصرة وبالذات أحداث العدوان الثلاثي عام 1956 ، صورًا متعددة للمحاولات الاستعمارية لمسخ الصورة القومية لقيادة ناصر سواء بابتكار نكات جديدة أو باستعمال نكات عرفتها الحروب العالمية السابقة مع بعض التحوير فيها ..
 
لقد سخر المصريون من جبن عساكر الحلفاء أمام الجيوش الألمانية فيقول أحدهم للآخر :
ـ هم ليه الألمان مشغولين بتنظيف دباباتهم ؟
ـ أصل الإنجليز ما يحبوش القذارة 
و سخر المصريون من التناحر بين الزعماء السياسيين قبل الثورة الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وجاء ذلك في نكتة تقول أن أحدهم كان يجلس على المقهى عندما سأله صاحبه :
ـ أنت عدلست ( تبع عدلي ) ولا وفدست ( تبع سعد ) 
ـ لاه أنا فلست".
أخيرًا ، لدي أمل أن تهتم الدولة والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني بإنشاء مراكز بحثية للتعامل مع ظاهرة تزايد  إنتاج الشائعات المضللة والمفسدة لكل جهود التنمية للدراسة لتلك الحالة من الجوانب النفسية والاجتماعية والسياسية عبر وسائط " التفاصل " أقصد التواصل الاجتماعي ، ولدعم الجهود لتنمية الوعي لدى الجماهير لامتلاك ناصية القدرة على الفرز بين المضلل والصادق من الأخبار أو النكات .. وحفظ الله مصر ..