"تركيا قوة شيطانية مترحلة، بلا تاريخ أو حضارة، واتخذت لنفسها وطنا بالتبني، حتى كتابتها استعارتها من العرب، غراب يقلد مشية الطاووس، يشعرون بعقدة نقص تجاه مصر التي أذلتهم، وسحقت جيوشهم، لكنها نسيت ذلك، وتناطح أسيادها العرب الآن"، هكذا وصف عالم الجغرافيا جمال حمدان تاريخ تركيا القديم والحديث، كاشفا عن كراهيتهم للعرب، وكتابة تاريخ أسود فوق جثث الآلاف من العرب الأبرياء.
 
رصد الجغرافي المصري جمال حمدان في كتاباته تاريخ الأتراك الأسود في البلاد العربية والإسلامية، منذ أقدم العصور، وحتى القرن العشرين، ومن أشهر مؤلفاته التي تطرق فيها لتاريخ الأتراك والعثمانيين على وجه الخصوص "استراتيجية الاستعمار والتحرير" و"شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان"، و"شخصية مصر وتعدد الأبعاد والجوانب" و"مذكرات في الجغرافيا السياسية".
 
أكد جمال حمدان في كتابه "استراتيجية الاستعمار والتحرير" أن الأتراك كانوا وبالا على الدولة العباسية، وسبب ضعفها وسقوطها في النهاية، يقول: "كانت الموجة الغزنوية التركية أول ما وصل المنطقة العربية من برابرة العالم الإسلامي، في القرن الـ11، وانتزعت فارس وما جاورها، ثم بدأت قوة الأتراك السلاجقة الوافدة من آسيا تتسلل وتظهر في الدولة العباسية، حتى استطاعوا أن يقتطعوا منها أجزاء كثيرة في غرب آسيا، فأقاموا قاعدتهم في كرمان وهمدان ثم في آسيا الصغرى".
 
ويضيف :"انقلب الأتراك السلاجقة على الحكم العربي في بغداد ودمشق، حتى امتد سلطانهم إلى الشام والأراضي المقدسة، لكن قوة السلاجقة لم تلبث أن تضعضعت تحت طرقات المغول في القرن الـ 13 على يد جنكيز خان، وفي الوقت الذي كان العالم الإسلامي يواجه خطر الحروب الصليبية، خرج تيمورلنك من عاصمته سمرقند ليكتسح فارس والعراق وشمال سورية حتى دمشق، ولكنه عجز في التقدم جنوبا بفضل المقاومة المصرية".
 
وتابع العالم المصرى: "الأتراك قوم همج، لم يتحدوا في دولة متحضرة، فهم يحاربون بعضهم من أجل الكلأ والمراعي، وفي مطلع القرن الخامس عشر أظهر الأتراك بربريتهم وغباءهم السياسي، حينما اتجه تيمورلنك إلى الأناضول لمحاربة العثمانيين، وانتصر تيمورلنك على العثمانيين في معركة أنقرة عام 1402، حين انكسرت قوات بايزيد الأول وسقط في الأسر".
الاستعمار التركي
ذكر جمال حمدان في كتابه استراتيجية الاستعمار والتحرير أن "الدولة العربية انتهت على يد الغزو التركي، وليس الغزو الصليبي، بعدما جاءوا للبلاد العربية في مسوح الدين الإسلامي وتحت قناعه، فهو نوع من الاستعمار الديني، ولولاه لعد مماثلا للغزو المغولي الوثني الذي سبقه".
 
واستطرد عالم الجغرافيا قائلا :"نوايا الأتراك السيئة تجاه البلاد العربية الإسلامية تأكدت في القرن السادس عشر، حينما اتجهت الدولة العثمانية إلى الشرق العربي، واتجه الزحف التركي إلى مصر رأسا، عن طريق سورية التابعة للدولة المملوكية المصرية، التي أصبحت مفتاح المنطقة العربية، خاصة بعد أن انتقل ثقل الدولة العربية الإسلامية كاملا ونهائيا إلى مصر بعد تدمير العراق على يد المغول".
 
ويضيف: "كانت قوات سليم الأول أضعف من أن تنتصر على المماليك في معركتي مرج دابق والريدانية، لكنهم استخدموا طريقتهم التركية الأصيلة، فعن طريق الرشوة والخيانة استطاعوا استمالة خاير بك وجان بردي الغزالي، وسقطت مصر في عام 1517 في يد رعاع الاستبس".
 
رصد صاحب "شخصية مصر" الطابع الاستعماري للاحتلال التركي الذي نهب ثروات البلاد العربية، لتلبية نفقات السلاطين والحرملك وسهرات الفجر والمجون، بقوله: "كل مظاهر الاستعمار الاستغلالي الابتزازي لا تنقص الدولة العثمانية، فقد كانت تركيا دولة استعمارية تعتصر موارد وخيرات الولايات بلا مواربة، لتحشدها في خزانة السلطان، الذي ينفق منها على نزواته الشاذة".
 
وفضح المؤلف سياسات الأتراك البربرية في حكم البلاد العربية، صاحبة التاريخ والحضارة العريقة، وطبقوا في حكمهم السياسي طريقتهم الاستبسية في معاملة الحيوان، هم انتقلوا من رعي قطعان الحيوان إلى رعي قطعان البشر، فكما يفصل الراعي بين أنواع القطعان، فصل الأتراك بين الأمم والأجناس المختلفة، عملا بمبدأ فرق تسد، وكما يسوس الراعي قطيعه بالكلاب، كانت الإنكشارية كلاب صيد الدولة العثمانية، وكما يحلب الراعي ماشيته، كانت الإمبراطورية بقرة كبرى عند الأتراك للحلب فقط".
سيادة مصرية
يلقي جمال حمدان الضوء على قضية سياسية مازالت ساخنة ومطروحة حتى يومنا هذا، وتنبأ العالم الشهير بنزعة الكراهية التي تنتهجها تركيا تجاه مصر، حينما تساءل في كتابه "مذكرات في الجغرافيا السياسية" قائلا :"القرن الـ 21 لمن؟، فالعالم الإسلامي يتنازعه أكثر من قوة دولية متنافسة، مصر وتركيا وإيران، لكن مصر هي الأقدر على زعامة المسلمين، لأنها رأس المسلمين والعرب، بحكم تاريخها العريق، وصدارتها في المنطقة، فهي قدس أقداس السياسة والجغرافيا السياسية، وهو ما سيجلب عليها عداء أنقرة وطهران".
 
رد حمدان على ادعاء تركيا للتحضر، ومنافستها لمصر في المنطقة "ليس أكثر من تركيا نقيضا تاريخيا وحضاريا لمصر، فتركيا بلا تاريخ، بلا جذور جغرافية، انتزعت من الاستبس كقوة شيطانية مترحلة، واتخذت لنفسها من الأناضول وطنا بالتبني، وهي بلا حضارة، بل كانت طفيلة حضارية استعارت حتى كتابتها من العرب".
 
ويقول جمال حمدان في وصف الدولة المشوهة، ومنزوعة التاريخ: " إنها تمثل قمة الضياع الحضاري، في تغيير جلدها أكثر من مرة، الشكل العربي استعارته ثم بدلته باللاتيني، والمظهر الحضاري الآسيوي نبذته، وادعت الوجهة الأوروبية، هي كغراب يقلد مشية الطاووس، وعلى النقيض تماما من مصر، ذات التاريخ العريق والأصالة والحضارة".
 
ويتابع صاحب "مذكرات في الجغرافيا السياسية" أن "مصر ظلت وستظل تمثل للأتراك كل العقد، وليس عقدة وحيدة، فهي الدولة التي يحتسب عمرها بعمر هذا الكون، بينما تركيا بلا تاريخ أو هوية، ويرجع تاريخ العداء التركي لمصر منذ القرن الثالث عشر، وبعد احتلال مصر عام 1517، اتبعت الدولة العثمانية سياسات قمعية تجاه الشعب، تعويضا لعقدة النقص التي يشعر بها الأتراك تجاه المصريين".
وأوضح مؤلف "عبقرية المكان" أن "جيش مصر العظيم يمثل أبرز العقد للأتراك، فقد أعطى دروسا قوية في الفنون العسكرية للجيش التركي، وسحقه أكثر من مرة في معارك ضروس، والبداية كانت عندما سحق الظاهر بيبرس الأتراك المتحالفين مع المغول في الأناضول، في معركة الأبلستين عام 1277، وتجدد الصدام في عام 1488 عندما قاد السلطان قايتباي جيوشه وهزم السلطان بايزيد الثاني في معركة أضنة".
 
أصبحت مصر القوة الضاربة في الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر، على يد مؤسس الأسرة العلوية، ويضيف: "عندما قرر محمد علي باشا ضم الشام إلى الأراضي المصرية في عام 1831، وزحف الجيش المصري وحاصر عكا، المحصنة بأسوارها العالية، ونجح في كسر جيوش السلطان محمود الثاني، وسيطر على فلسطين ودمشق، ثم التقى بالجيش العثماني من جديد عند أسوار مدينة حمص ولقنه درسا قاسيا، واستولى على حمص، وباقي المدن السورية".
 
وتابعت مصر ضرباتها المتواصلة للجيش التركي بعدها بـ 8 سنوات، يقول :"ولن ينسى الأتراك ما فعله الجيش المصري بجيوش السلطان محمود الثاني في معركة نصيبين عام 1839، عندما لقن نظيره التركي درسا في فنون الحروب الحديثة، مستخدما قوته المفرطة، حينما أفنى كل الجيش العثماني في تلك المعركة، وأسروا 15 ألف جندي وضابط، واستولوا على كل الأسلحة والمؤن".
 
ويضيف حمدان: "وعندما بلغ السلطان العثماني أمر الهزيمة المنكرة، وفناء جيشه مات حزنا، ولم يكتفِ الجيش المصري بسحق العثمانيين، وإنما حاصر إسطنبول، واستسلم الأسطول التركي لمصر في الإسكندرية، وأصبحت الدولة العثمانية بلا سلطان أو جيش أو حتى أسطول، ولولا التدخل الأوروبي، لكانت تركيا من بين ممتلكات مصر".
 
وتحت عنوان "دنيا العالم الإسلامي" هاجم جمال حمدان جماعة الإخوان المسلمين الذين وصفهم بأنهم "عبئا على الإسلام والمسلمين"، واتهم الأحزاب الدينية بأنها "عصابات طائفية، مافيا الإسلام، المطاريد، دراويش القرن الـ20"، واشترط لتقدم مصر والعرب والعالم الإسلامي "شنق آخر الجماعات الإسلامية بأمعاء آخر إسرائيلي في فلسطين".
 
لم يكن جمال حمدان يدري أن تركيا ستتخذ من جماعة الإخوان المسلمين أداة لمحاربة البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط، خصوصا بعد وصول حزب العدالة والتنمية المعروف بميوله للجماعة الإرهابية، واستخدمها إردوغان لاحتلال البلاد العربية في القرن الحادي والعشرين، في محاولة منه لتكرار تجربة سليم الأول، حين خدع العرب والمسلمين واحتل أرضهم تحت ستار راية الدين الإسلامي.
إسرائيل التركية
فضح جمال حمدان أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل، الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وأثبت في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا" بالأدلة العملية أن "اليهود المعاصرين يرجع أصلهم إلى إمبراطورية الخزر، التي قامت بين بحر قزوين والبحر الأسود، ثم اعتنقت الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي".
 
ويضيف: "إسرائيل ليست دولة سامية، وسكانها ليسوا يهودا، ولكنهم متهودون، أصولهم من الترك الرعاع، والإمبراطورية العثمانية كانت آخر طبعة خزرية استعمارية، خرجت من رحم الدولة السلجوقية التي أسسها يهود الخزر".
 
لم يكن جمال حمدان يعلم أن رأيه في دولة إسرائيل المتحالفة مع تركيا سيكون سببا في اغتياله في شقته عام 1993، ذلك التحالف الذي يعود للأجداد والنسب التاريخي، ثم لتشابك المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية في الشرق الأوسط، لكنها يد الخيانة الآثمة التي جمعت إسرائيل وتركيا هي نفسها التي قتلت العالم الجغرافي الكبير جمال حمدان.
نقلا عن   3thmanly