استأت و غضبت جدا حينما سمعت عن نية نقل تماثيل معبد الكرنك إلى ميدان التحرير، وأراه قرارا عشوائى أهوج.، وعندما سمعت بعض الأراء بهذا الخصوص من أشخاص فى موضع مسؤلية مثل مصطفى الوزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار و مصطفى الصغير مدير عام أثار الكرنك و الكاتبة لميس جابر، شعرت بالخوف من عدم مراعاتهم لحرمة هذا المكان المقدس، و تقديمهم للمبررات أمام شاشات التلفزيون دون تقديم الأسباب و الدوافع لهذا التصرف، جعلنى أتخوف على مصير ماتركه لنا أجدادنا، فإن كان المسؤلون و أصحاب الثقافة غير مكترثون بكارثية هذا التصرف الغير الإنسانى فماذا ننتظر من المواطن الذى لم يحظى بفرصة التثقف؟! وها أنذا أفكر بصوت عال، إن كان هذا القرار يأتى تدعيما للسياحة، ألا يجب بالأحرى الإهتمام بالآثار فى موقعها الأصلى و بالمحافظات الموجودة بها ؟!، و الإهتمام بمحيطها الجغرافى، و بالطرق المؤدية إليها؟! دون المساس بالآثار نفسها و إفقادها معناها و سياقها الجغرافى الذى بنيت خلاله ! ألا

يجب على الدولة إن أرادت تزيين ميدان التحرير، أن تستعين بالنحاتين الحاليين لتنفيذ مادة فنية بلغة و مصطلحات العصر الحالى؟ فيستفيد بذلك جميع الأطراف، بخلق فرص عمل للفنانين الحاليين للتعبير عن فنونهم و مواهبهم، و وضع مصر فى عداد الدول التى تواكب الحداثة فى مجال المعمار و الفنون. ألا نفكر لحظة واحدة فى السؤال الذى سيدور فى رأس أى سائح يزور ميدان التحرير " إيه اللى جاب القلعة جمب البحر" ؟! وبذلك نخسر ثقة السائح الأجنبى فى تصرفاتنا و معرفتنا بقيمة أثارنا إنسانيا و جغرافيا؟ و هنا أطلب من القارئ الفاضل، أن تتخيل أنك تبنى بيتا أو فيلا شاهقة و تصرف عليها العمر و النقود، ثم يأتى من يعتقد أن له الحق فى التصرف فى أملاكك ليأخذ منها ما يحلو له و ينقلها ليزين بيته هو فقط للتفاخر بها.

هذه الأثار هى حرمة مقدسة، وللقارئ الفاضل أن يتخيل كم من الأعمار والنقود و الجهود و الطاقات و الإرادة الإنسانية بذلت لبناء هذه الأثار فى مكانها المخصص بالضبط لها. ألا يعد أمر بترها من مكانها جريمة و إعتداء و إقلال من شأن أجدادنا الذين بنوها؟ ألا يعد أمر بترها إنتهاكا لتاريخنا و لنا نحن؟ ، و إن من غرابة الأمور أن يعتقد بعض الأشخاص الذين يشغلون بعض المناصب أنهم الأشخاص الأكثر فهما و أن لا يجب أن يعترض أحدا أو يطالب أحدا بإيقاف مثل هذه التصرفات الهوجاء، مقللين من شأن العامة و من قيمة رأيهم، و هذا إنتهاكا أخر. كفنان مصرى أطالب بعدم المساس بالآثار، المتعلقة بمكان جغرافى، فذلك إنتهاك لحرمة تلك الأماكن المقدسة، و إستهتارا بأباءنا و أجدادنا الذين قضوا عمرهم كله فى بناءها .

مايسترو بيشوى عوض
 *مؤلف موسيقى وعضو المؤسسة العالمية للمؤلفين الموسيقيين
* مدرس الموسيقى بمعاهد الكونسرفتوار ومدارس باريس
* قائد للكورالات والاوركسترات