محمود العلايلي
يختلف التعامل باللغات الأجنبية من مكان إلى مكان، ومن دولة إلى أخرى، فإن اللغة الأجنبية تعتبر لغة العلوم التطبيقية فى بعض الدول، وهناك من الناس من يخلط حديثه بكلمات من لغة أجنبية، بينما نجد شعوبا تمادت فى هذا الأمر فحولت الألفاظ الأجنبية إلى أفعال وصرفتها فصارت جزءا من اللغة المحلية، بالإضافة لمن استبدل لغته المحلية بلغة أجنبية يرتاح إليها ويستطيع أن يعبر بها عن نفسه بطريقة أسهل فى أوساط اجتماعية معينة.

وفى هذا النطاق كتب أحد الأصدقاء على إحدى منصات التواصل الاجتماعى منتقدا من وجهة نظره آفة نطق أغلب المصريين لبعض الكلمات الإنجليزية بطريقة خاطئة، ذاكرا بسخرية نماذج عديدة من الألفاظ التى تم تحويرها أو اختصارها، معتبرا ذلك من السقطات الإجتماعية التى تستوجب الانتباه، والتى تعتبر من معايير الترتيب على درجات السلم الاجتماعى، وهو الأمر الذى جعلنى ألتفت لازدياد استخدام الإنجليزية فى العديد من الأوساط، وحيث إن الأرقام تتراوح بين 620 مليون شخص يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى، إلى حوالى مليار وثمانمائة مليون شخص تشمل الذين يستخدمونها عموما، فذلك يؤكد أن استخدام الإنجليزية لم يعد مسألة ضرورية للتعامل مع العلوم أو مجال الأعمال فقط، ولكن للتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية باللغة العالمية التى اتفق فيها على معانى الأدوات المنزلية والملابس والمأكولات، بل والمشاعر والأحاسيس.

أما إذا عدنا إلى ما نشره صديقى عن طريقة نطق الكلمات، فإنه فى حقيقة الأمر إذا تابعنا أى تجمع رسمى دولى مؤتمر أو حتى منتدى اجتماعى، سنجد أن الفرنسيين ينطقون الإنجليزية بلكنة فرنسية، والألمان بلكنة ألمانية والصينيين والهنود والإيطاليين كل ينطقها بلكنته، حتى المتحدثين بالإنجليزية مثل الأمريكيين والأستراليين والنيوزلانديين فلهم لكنتهم الخاصة التى يستطيع الشخص أن يفرق بينها ببعض الخبرة والمعرفة بطبائع سكان هذه البلاد، والأهم من ذلك كله أننا فى هذه المناسبات نستمع إلى أصحاب هذه اللكنات فى نطقها للإنجليزية بتقبل وباحترام لا يتناسب إطلاقا مع السخرية والتجريح الذى نطلقه على أى مصرى يتحدث الإنجليزية ولا تطاوعه أدوات نطقه باستخدام مخارج الألفاظ بطريقة صحيحة لتخرج لغته متقنة مثل متحدثيها الأصليين. والحقيقة أن هذا التربص لعدم إتقان التحدث بلهجة أصحاب اللغة الأصليين، أو باللهجة الأمريكية التى انتشرت عن طريق السينما، ومجتمعات الأعمال، فإن هذا التربص يمكن أن يزول تلقائيا إذا تابعنا المسألة من منظور عكسى، فإذا كان الإنجليز وغيرهم من المتحدثين بالإنجليزية يقدرون من يتحدث لغتهم، ويحترمون من يجيد لكنتهم، فمن المهم الإشارة أنه إذا حدث العكس فإنهم لا يعيبون على أحد أنه لا يتقن الحديث بالإنجليزية بلهجتهم الأصلية أو بلكنتهم المحلية، وهو ما يؤكد أنه إن كان إتقان اللغة الأجنبية كتابة وكلاما شيئا يدعو للاهتمام والدراسة، ولكن عدم إتقان اللغة الأجنبية نطقا لا يستدعى السخرية والتنمر، لأن الذى يخلق المشاكل ليس طريقة نطق الكلام، بقدرما يعنيه الكلام نفسه، فالمحتوى هو الحاكم الحقيقى، والمعانى هى معيار الصواب أو الخطأ فى الحكم على أى عبارة.

إن اللغة وسيلة للتفاهم وليست أداة للتفاخر، كما أن على كل من يعتقد أنها سبيل التواجد فى درجات معينة فى السلم الاجتماعى، عليه أن يدرك أنها أمور لا تساوى شيئا عند الخروج من دائرة هذا السلم إلى فضاء التكنولوجيا الرقمية حيث تتساوى اللغات بتقنيات الترجمة التلقائية، أو بتحويل الكلام المنطوق إلى نص مقروء والعكس، مما يسهل تبادل المعلومات كتابة ونطقا، دون التعرض للسخرية بسبب خطأ فى نطق حرف، أو عدم القدرة على تركيب جملة إنجليزية بشكل صحيح، فى عالم لن يكون فيه ما نطلق عليه اليوم «لغة أجنبية».
نقلا عن المصري اليوم