أسامة غريب
موضوع الفتاة التى تعرّضت للتحرش الجماعى بمدينة المنصورة، يثير أقصى درجات الفزع على هذا المجتمع الذى يتجه بخطى حثيثة نحو التوحش. المشكلة الكبرى فى جريمة التحرش أنها تتم وسط بيئة لم تعد تستنكر هذا الفعل ولا تعتبره جريمة، والأخطر أن التدين الزائف قد حول بعض البشر إلى كلاب مسعورة لا يشغلها سوى الجنس، بعد أن ترسخ خطاب الدعاة المجرمين فى النفوس، فأصبح بعض الناس يتطلعون للجنس الجماعى فى الجنة كمكافأة على العمل الصالح فى الدنيا، كما أصبح تزويج الطفلة الصغيرة سلوكًا إسلاميًا حميدًا، يقتدى فيه بعض الرجال بالسلف الصالح، ولهذا لا يشعر الرجل الذى يقدم طفلته لحيوان من أصدقائه ممهورة بورقة مأذون، بأنه يساعد على ارتكاب جناية اسمها اغتصاب قاصر، لأنه هو نفسه يتطلع لارتكاب نفس الجريمة ابتغاء مرضاة الله! ولعل انتشار أفكار عن أن أكثر أهل النار من النساء وعن أنهن ناقصات عقل ودين.. لعل هذه الأفكار التى عدّها معتنقوها رأى الإله فى المرأة، هى التى جعلتهم لا يقيمون كبير وزن لفتاة تصرخ بعد أن أمسكها شاب مكتمل العقل والدين من صدرها فى الشارع!. عامل إضافى يشجع المحبطين المهانين الأذلاء على نزول الشارع للفتك بأى أنثى عابرة، هو إدراكهم أن مكافحة هذه الجريمة ليست أولوية ما داموا لم ينخرطوا فى السياسة أو تظهر لهم ميول اهتمام بشؤون الحكم!.

والعجيب الذى لم يعد يدهش أن الشخص الذى يمد يده ليلمس جسد فتاة تسير بالشارع أو الذى يفاجئها بإلقاء كلمات فاحشة وبذيئة فى وجهها، لا يلقى رد فعل من شهود الجريمة السائرين فى الشارع يخرج عن الضحك الرقيع أو الضحك المستحيى، مع بضع كلمات ساخرة تظهر التعاطف والمواساة للمجرم المسكين الذى يعانى الكبت والحرمان، بينما الفتيات الفاسقات لا يعرفن الرحمة وتسير الواحدة منهن فى الشارع فتستفزه بوجودها فى الحياة!.

المتحرش فى مجتمعنا مثلما هو فى أى مكان، عبارة عن كلب مسعور لا يميز بين المحتشمة والسافرة، لكنه فقط يشم رائحة الأنثى ويسعى خلفها فى حماية أهله وأصدقائه، وفى حماية من يسيرون بالشارع ممن لا يعرفونه! وفى ظنى أن الرجل لا ينصر الفتاة التى تتعرض للانتهاك لأسباب عديدة، منها شعوره العميق بالعجز من الداخل، لذلك فهو يتمنى للجميع الانكسار حتى يكونوا معه فى الهوا سوا، كما أن هناك سببًا آخر للمساندة المجتمعية للكلب العقور، وهى أن الرجال والشباب والصبية والأطفال الذكور فى غالبيتهم يحملون داخلهم مشروع متحرش، والرجال فى دفاعهم عن السافل الممسوك بالجُرم، إنما يدافعون عن أنفسهم بأمل أن يجد كل منهم من يدافع عنه ويسانده عندما تمسك بخناقه الفتاة التى لمسها أو أسمعها كلماته الفاحشة. وحتى النساء فى مجتمعنا لا يدافعن عن بنات جنسهن، لكن الواحدة منهن تستسهل لوم الضحية، لأن هذا أفضل من معاقبة ابنها وأخيها وأبيها وزوجها!.
نقلا عن المصرى اليوم