عادل نعمان

 انتصر الناس الطيبون للخير وللمحبة وللسلام، وامتلأت الكنائس من كل فج عميق تهنئ الأخوة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، وتزاحمت التهانى والتبريكات على شبكات التواصل الاجتماعى، وسهر الملايين أمام شاشات التليفزيون يتابعون القداس فى شغف بالغ، وتوارى واختفى من الفضاء نعيق التطرف الذى صدعنا وأرقنا سنوات وسنوات، يزعق وينعق بحرمة تهنئة الأخوة المسيحيين بأعيادهم، والحق كان الفضل الأول للسيد الرئيس فى هذا التحول الكبير وهذا التغيير العظيم، والناس كما يقولون يستمدون منه منهج الحكم وأسلوب التعامل، وكان لإصراره على التزام الجميع بمنهج المواطنة واحترامه لها، وزيارته السنوية لتهنئتهم فى ديارهم أكبر الأثر، ورسالة واضحة للمتطرفين وللشعب، وهذا بالذات يضاف ويصنف من وجهة نظرى من أهم إنجازاته على الإطلاق، وهى عودة الروح والمحبة بين أبناء الوطن الواحد، فكان نموذجاً قلده الناس وساروا معه. والفضل الثانى كان للأخوة المسيحيين أنفسهم، وصبرهم الذى يحسدون عليه، على أذى السفهاء منا، وماعانوه من تعنت وظلم واعتداء على بيوتهم وكنائسهم، وحرمانهم فى بعض المدن والقرى من إقامة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وتعرضهم فى الكثير لمساومات مجحفة وتنازلات جائرة وكانوا هم على الحق، بل كانوا يدعون بالهداية للظالم المتجبر، ويكتمون أحزانهم، ويبوحون بحبهم لبلادهم فى تحدٍ للإرهاب وللإرهابيين، ولم ينحرفوا لحظة عن خط الدولة المصرية، بل كانوا حماتها وفى أحضانها، حتى ينتصر الخير ويعم السلام أرجاء الوطن، وإذا كانت الجعبة ما زال فيها القليل، فالحب والمحبة كفيلان بهم، هذا دينهم «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم»، وهذا ديننا «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ» هذان منهجان عظيمان نتمسك جميعاً بهما، ونعض عليهما بالنواجذ، حتى تزول الغمة كاملة، هنيئاً لنا بكم، وتحية لكل مسيحى حر، خاف على بلده أكثر من خوفه على نفسه أو ماله أو ولده.

 
والفضل الثالث للشعب المصرى الطيب الأصيل، الذى إذا خرج عن الصف عاد سريعاً، عبقرية المراجعة والعودة والاستجابة، فإذا ما خاطبت فيه ضميره وتاريخه وحضارته، كان معك سنداً ومعيناً، إلا قلة قليلة شردت عن الصف وخرجت عنه، لكنها حتماً ستعود، فما زال الرباط قائماً، يذهب كما يذهب ويضل كما يشاء، وكلما بعد اقتربت لحظة عودته، قلبه معنا حتى لو كان سيفه علينا، الحبل ما زال ممدوداً لكنه ما زال مربوطاً.
 
الفضل الثالث لكتائب التنوير على صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون وشبكات التواصل الاجتماعى، كانوا مقاتلين بامتياز، ما تركوا شاردة أو واردة إلا وتصدوا لها، وما فتحوا عليهم باباً إلا وأغلقوه فى وجوههم، وما كذبوا على الناس كذبة إلا وفضحوها أمام أعينهم، وما ضللوا الناس إلا وكشفوا سترهم وضلالهم على الملأ، وعانوا فى هذا الأمرين، منهم من حُبس تحت دعاوى الحسبة وازدراء الأديان، ومنهم من طورد فى عمله ورزقه، ومنهم من هُدد بالقتل، ومنهم من تعرّض للاعتداء المباشر، فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا، وكانوا جميعاً فى مسيرتهم على هدى من سبقوهم من أساتذة التنوير قديمهم وحديثهم، وما زالوا خير خلف لخير سلف تنويرى، وهم جميعاً على حب الوطن والخير والسلام قائمون، وعلى العهد والقسم صامدون، وعلى طريق العقل والعلم مهتدون وسائرون.
 
أما الفضل الذى يسبق فضل الجميع، وهو الأول والآخر، هو فضل أبطالنا من رجال القوات المسلحة والشرطة، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، وطاردوا الإرهابيين، ودخلوا خلفهم كهوف الماضى والحاضر فى سيناء وفى الوادى والصحراء الغربية، منهم من استُشهد ومنهم من أُصيب ومنهم من ما زال على العهد قائماً، لا يلين ولا يتراجع ولا يستسلم، أمانة الوطن صوب عينيه، وعرضه وماله وبيته وأولاده فى حماه وفى رقبته حتى النصر أو الشهادة، لا يهتز سيفه، ولا تلين عزيمته، ولا يلتفت للمحبطين من هنا أو من هناك، صامد قادر قوى، يلبى النداء فى الوقت والمكان، هؤلاء هم تربيتنا وأصولنا وجذورنا وتاريخنا.
 
رئيس وجيش وشرطة وشعب، مسلمون ومسيحيون، كتائب التنوير، فى هذا العام الجديد وعيد الميلاد المجيد، أهنئكم جميعاً، مبروك عليكم هذه الروح الجديدة، وهذه المحبة العظيمة، وهذا الأمل الكبير، فلا بناء ولا نجاح فى جو من الكره والحقد، ولا تنمية وسط أجواء من الصراعات والتناحر، ولا سلامة لأمة وسط صراعات الأديان، فالدين لله والوطن لنا جميعاً، نحبه معاً ونحميه معاً ونبنيه معاً.
 
أما أنتم أيها الكارهون للخير وللمحبة وللسلام، من مشايخ الوهابية والدواعش، دعاة التكفير والغزو والسبى، أنصحكم لوجه الله، ارفعوا الراية البيضاء، واتركوا سيوفكم فى كهوف الماضى، وانضموا إلى مسيرة العطاء والمحبة والسلام، واعلموا أن المباراة قد انتهت لصالح الشعب، ولا عودة إلى دياركم، عاشت مصر حرة محبة للخير وللسلام، يعيش الجميع تحت ظلها فى أمان ومحبة ورضا، وعليكم السلام.
نقلا عن الوطن