كمال زاخر

10 ـ الأقباط ... اسئلة حائرة !!
عندما تسأل عن الأقباط، المسمى الذى يشير إلى المصريين المسيحيين دون غيرهم، تأتيك اجابات متعددة، فالإجابة الرسمية، هم مواطنون مصريون، والإجابة عند الفقهاء الدينيين هم إخوة لنا يتمتعون بحمايتنا (أهل ذمة)، وعند نظرائهم المسيحيون هم شعب الكنيسة، وعند السياسيين هم الكتلة الحرجة التى تستدعى فى الأزمات ولا يلتفت إليها فى غيرها، وهم عند جماعات الإسلام السياسى العقبة التى تعوق قيام الدولة الإسلامية، أو قل "دولة الخلافة"، والبعض يمد تواصلها إلى "مصرايم" ابن "حام" إبن "نوح".
فيما يقول التاريخ أن كلمة "قبط" هى المسمى الذى أطلقه العرب عند دخولهم مصر، غزواً أو فتحاً، على كل سكان مصر آنذاك، وهى النطق العربى لكلمة "جبت" بالجيم المعطشة، والمختصرة لكلمة "ايجبتوس"، الإسم اليونانى الذى أطلق على "سكان مصر"، ومن ثم فكل المصريين أقباط، بغض النظر عن الدين، فهى ـ أى القبطية ـ قومية وعرقية. وهى بوتقة انصهرت فيها كل الهجرات القادمة لمصر عبر التاريخ.
لكننا مضطرون للتعاطى معها على أنها تخص المصريين المسيحيين فى الثقافة السائدة، وعندما نعيد قراءة اوراقنا هنا تتجمع الخيوط التى تشكل المشهد المصرى فيما يتعلق بالأقباط، بداية من النصوص الدستورية التى تقترب من موقع الدين منذ عرفنا الدولة الحديثة، لنقف على تطورها، والتى قفزت من باب الأحكام العامة إلى صدارة الدستور، وكيف تطور النص ليمسك بمفاصل الدولة.
البداية كانت على استحياء فى دستور 23، وفى باب الأحكام العامة، ثم يختفى النص على "دين للدولة" فى الإعلان الدستورى الذى صدر عن ثورة 52، وكذلك الأمر مع دستور 1958 (دستور الوحدة بين مصر وسوريا)، وحتى بعد الإنفصال بين البلدين لم يحمل الإعلان الدستورى الصادر بمصر (1962) أية إشارة لدين الدولة.
يطل علينا النص مجدداً مع دستور 64 الذى صدر فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر فى مادته السادسة، ونلاحظ ورود مادتين، بذات الدستور، لهما ارتباط بالطرح الدينى، إحداهما تؤكد على حرية الإعتقاد وحماية الدولة لحرية القيام شريطة أن تكون طبقاً للعادات المرعية، وألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافى الآداب، وتذهب التأويلات مذاهب شتى فى معنى النظام العام.
وثانى المادتين متعلقاً بتشكيل مجلس الأمة (البرلمان)، وفيها تعطى الرئيس الحق فى "أن يعين عدداً من الأعضاء لا يزيد عددهم على عشرة اعضاء"، وقيل وقتها أنها مخرج يضمن وجود أقباط فى البرلمان، (عشان الصورة تطلع حلوة)، وهذا ما قالت به المرات التى تم فيها تفعيل هذا النص، لنجد انفسنا أمام سؤال لماذا تعذر وصول الأقباط الى مقاعد البرلمان عبر آلية الإنتخاب، على الرغم من أمرين، الأمر الأول أن الوجود القبطى فى البرلمان لم ينقطع عبر كل البرلمانات حتى قيام ثورة 52، بل وصل أحد الأقباط فى واحدة منها إلى رئاسة البرلمان!!، ويصا واصف في فترتين (20مارس 1928-18 يوليو 1928) و (11يناير 1930-21 أكتوبر 1930).
الأمر الثانى أن الإنتخابات كانت تشهد تدخلاً إدارياً بشكل غير مباشر وربما بشكل مباشر، الأمر الذى يوفر للأجهزة المعنية امكانية الدفع ببضع اسماء قبطية فى القوائم التى تدعمها، وتبقى علامات الإستفهام؛ هل هو توجه دولة؟، أم ارهاصات اختراق الفكر المتطرف لها وللشارع، أم هو مجرد مصادفة أن تتلاقى الإرادات على استبعاد الأقباط من المشهد؟.
النقلة الأكبر حدثت مع قدوم الرئيس السادات، الذى نقل النص من سطور فى دستور إلى حية تسعى، ومعه سحرة فرعون، فقد كان النص موجوداً فى عهد عبد الناصر، كما هو فى سنوات السادات الأولى، لكنه لم يكن ضمن توجهات ناصر الرئيسية، الذى استغرقته قضايا العروبة والعمق الأفريقى وحلم الزعامة فى مواجهة القوى العظمى. وكانت الفرصة مواتية للتيارات الدينية الراديكالية أن تعيد ترتيب أوراقها تحت الأرض، حتى تلقت اشارات الخروج إلى الفضاء العام بشكل علنى، حين أكد السادات "أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة" (!!).
وتعود الأسئلة مجدداً، هل هى مناورة لخطب ود الجماعات الراديكالية المتطرفة، أم هى رسالة للتواصل مع أحلاف اقليمية تسعى لإعادة رسم خريطة التوازنات، وفق تداعيات الحقبة النفطية، وظهور رأس المال السياسى، أم هى رغبة فى الخروج من وهج عبد الناصر، باستدعاء العصب الدينى القادر على دغدغة ذهنية الشارع المأزوم بفعل الإنكسار القومى بفعل فجيعة 5 يونيو 67؟!.
اللافت هو تحالف حزب الوفد (الليبرالى) مع جماعة الإخوان ليفسح لهم مساحة على قوائمة ويصبح لهم 6 مقاعد فى برلمان 1984، الذى تم حله بحكم قضائى 1987، وتجرى انتخابات جديدة لبرلمان جديد يحصد فيها الإخوان 37 مقعداً عبر تحالفهم مع حزب العمل وحزب الأحرار، كان شعار التحالف "الإسلام هو الحل".
ويتصاعد الوجود الإخوانى مع برلمان 2005 تحت بند المستقلين ليصل إلى 88 عضواً بنسبة 20 % من مقاعد المجلس ليصبحوا أكبر كتلة معارضة في مصر.
أسسس الإخوان المسلمون في مصر حزب الحرية والعدالة رسميا يوم 6 يونيو 2011 لخوض الانتخابات البرلمانية، وقد فاز الحزب والتحالف الديمقراطي من أجل مصر بأغلبية كبيرة 47% في الانتخابات البرلمانية 2012 (مجلس الشعب المصري) ووصلت عدد المقاعد التي حصل عليها الحرية والعدالة والتحالف الديمقراطي 233 مقعد في مجلس الشعب ولكن في 14 يونيو صدر حكم الدستورية العليا في مصر بحل مجلس الشعب.
وفي 16 يونيو 2012 في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة اعلنت نتائج جولة الاعادة ليفوز الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الإرشاد ورئيس حزب الحرية والعدالة التابع لهم كأول رئيس مدني لمصر. وينجح الاخوان في الوصول الي منصة الحكم بعد 84 عاما من تأسيس الجماعة.
ويأتى دستور 2012 الذى وضعته الجماعة ليؤكد ما استقر فى الدساتير السابقة (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.) ويضيف دوراُ جديداً للأزهر الشريف على صعيدى الدين والسياسة (يتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.). ويحصن موقع شيخ الأزهر (وشيخ الأزهر مستقل وغير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.).
ولم تقترب التعديلات الدستورية فى دستور 2014 من هذه النصوص، إلا فيما يتعلق بتدقيق توصيف مؤسسة الأزهر ودورها (الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم .).
وكان اللافت فى دستور الثورة اضافة نص دستورى لمكافحة التمييز (التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.
تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.).
إلا انه ورغم مرور ست سنوات على هذا الدستور لم يتخذ البرلمان أية خطوات باتجاه انشاء هذه المفوضية.
أما النص على بناء وترميم الكنائس فيمكن الرجوع إلى الجزء الخامس من هذا الطرح (الأقباط بين التضييق والإستبعاد ... اسئلة مزمنة !!) الذى تناوله تفصيلاً.
ويبقى السؤال هل يستند كل من يهاحم المسيحية ويترصد الأقباط على ما جاء بالدستور والذى يقر بدين للدولة؟ ويصبغ القوانين بما اقره، باعتبار الدستور قانون القوانين، ولا يجور لتشريع ادنى (القوانين واللوائح) مخالفة تشريع أعلى (الدستور)؟
وهل يمكن تحقيق الدولة المدنية بمفهومها المستقر فى كل العالم فى وجود توصيف دينى للدولة؟
وهل يحتاج الدين لنص دستورى لحمايته؟
اسئلة حائرة !!
 
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الدين فى دساتير مصر
ـ دستور 23 (الملك فؤاد)
الباب السادس - أحكام عامة
مادة 149 : الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية.
ـ دستور 30 (الملك فؤاد)
الباب السادس ـ أحكام عامة
مادة 138 : الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية.
ـ اعلان دستورى 53 (اللواء محمد نجيب)
مادة 4 : حرية العقيدة مطلقة وتحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى الآداب.
ـ دستور 58 ـ الدستور المؤقت (جمال عبد الناصر) دستور الوحدة بين مصر وسوريا
لم يرد ذكر لدين الدولة أو ممارسة الشعائر والعقائد
ـ اعلان دستورى 62 ـ بعد انفصال مصر وسوريا (جمال عبد الناصر)
لم يرد ذكر لدين الدولة أو ممارسة الشعائر والعقائد
ـ دستور 64 (جمال عبد الناصر)
مادة 5 : الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية.
مادة 34 : حرية الاعتقاد مطلقة وتحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافى الآداب.
مادة 49 : يتألف مجلس الأمة من اعضاء يختارون بالانتخاب السرى العام، ويحدد القانون عددالأعضاء المنتخبين وشروط العضوية، ويقررطريقة الانتخاب واحكامه. ولرئيس الجمهورية أن يعين عدداً من الأعضاء لا يزيد عددهم على عشرة اعضاء.
ـ دستور 71 (محمد أنور السادات)
مادة 2 : الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
ـ تعديل دستورى 1980 (محمد أنور السادات)
مادة 2 : الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
ـ تعديل دستورى 2005 (محمد حسنى مبارك)
لم يرد ذكر لدين الدولة أو ممارسة الشعائر والعقائد، وإن بقيت المواد ذات الصلة فى الدستور.
ـ تعديل دستورى 2007 (محمد حسنى مبارك)
مادة 5 مكرر (فقرة ثالثة مضافة) : وللمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقاً للقانون، ولا تجوز ممارسة ى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية دينية أو أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل.
ـ دستور 2012 (الإخوان)
مادة 2 : الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
مادة 3 : مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.
مادة 4 : الأزهر الشريف هيئة اسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
وتكفل الدولة الإعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.
وشيخ الأزهر مستقل وغير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.
وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
مادة 43 : حرية الإعتقاد مصونة.
وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية واقامة دور العبادة للأديان السماوية، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
مادة 44 : تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة.
مادة 219 : مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل ادلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.
ـ دستور 2014 (عبد الفتاح السيسى)
مادة (2) الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
مادة (3) مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.
مادة (7) الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم .
وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.
وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.
مادة (10) الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها.
مادة (24) اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم قبل الجامعى الحكومى والخاص، وتعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة.
مادة (53) المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعى، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر.
التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.
تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
مادة (64) حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون.
مادة (74) للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل.
أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى.
مادة (235) يصدر مجلس النواب فى اول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.