medhatbeshay9@gmail.com
 
مع اتساع المساحات الإعلامية المتاحة بكافة أشكالها وألوانها لم يعد الاكتفاء بالتواصل مع أصحاب القرار و من يتخذونه والخبراء وأصحاب الرأي ، فكان السعي واللهاث نحو الوزراء والمسؤولين والمحافظين ورؤساء الهيئات السابقين لعقد مقارنات بين المسؤول الحالي والسابق والأسبق ، للتباكي المريض على أزمنة غابرة ، والتغني بزمن معالي المسئول الأسبق نكاية في الحالي !
 
لقد بتنا نطالع مانشيتات وتحقيقات صحفية ، ونشاهد برامج المكلمة والحواديت التافهة الحافلة بأخبار وتصريحات المسؤول الأسبق العفيف الطاهر صاحب سير الاستقامة الخالدة ، أو الآخر صاحب الرؤية المستقبلية العبقرية ، و الثالث من كان لديه استراتيجية كاملة للإصلاح ، وكمان المسؤول الذي لولاه ما كانت لنا سعادة على أرض المحروسة ، فقد كان يملك المفاتيح السحرية لحل كل مشاكل المواطن المصري ..
 
ويبدو أن العديد من وسائل الإعلام تحرض على دعم حالة من الاستسهال فبدلاً من تحفيز الناس على الإبداع والإنتاج والعمل المتواصل لتحقيق التنمية والتقدم تلجأ ــ وفي حالة إفلاس مهني و فكري ــ لاجترار أزمنة المسؤول السابق أو الأسبق ، وفي كثير من الأحيان يتم استعراض هذه الحلول " الماضوية " بشكل يفتقر إلى الموضوعية التي تبتعد بنا عن تحليلات علمية لظروف الواقع الحالي وحسابات فرضياته التي تفرض نفسها ولا يمكن تجاوزها ، قضلاً عن تقليدية تلك الحلول وافتقارها إلى الإبداع والتجديد ..
 
إنها حالة عبثية وضعف مهني لإعلاميين باتوا يبحثون في الدفاتر القديمة لشغل مساحات من إعلام الوطن التي يجب أن تشهد حالة احتشاد لتقديم أطروحات إبداعية متجددة ..
وعليه ، هل لنا  طرح مثل تلك الأسئلة : 
هل نسي المسئول السابق أنه كان عنصراً في يوم من الأيام في صياغة الواقع المصري بكل سلبياته ؟!
 
أليس غريباً أن نتحدث عن طهارة يد أو استقامة مسؤول سابق ، وكأن المفروض مقدماً أن يكون المسؤول  الحالي فاسداً ؟!
 
هل يجب أن تدفع حالة المرارة المسؤول السابق نظرا لفقدان موقعه إلى تصور أن الكون يجب أن يتوقف عند زمن إبداعاته ؟!
 
ألا يخجل المسؤول السابق أو الأسبق أن يتحدث عن فساد موقع تركه بالأمس القريب ونحن نعلم أن الفساد يحدث عبر تراكم وتوالد فعل الفاسدين والمفسدين عبر أزمان طويلة ولا ينشأ فجأة ؟!
 
ألا يخجل معالي " الأسبق " عندما نجد أن مواسير المياه ، وتوصيلات الصرف الصحي التي تنفجر وتحدث كوارث ، ونشاهد ونتابع التصريحات التي تصاحب الإعلان عنها  أن هذا حدث بفعل الزمن وانتهاء العمر الافتراضي بينما يواصل هو أحاديثه عن عبقرية الانتهاء في زمنه من تحديث البنية الأساسية على سبيل المثال ؟!
 
لماذا يتصور المسؤول الأسبق أن الحديث عن إنجازات الماضي لا يجب أن يتوقف ، وأن هناك استحالة تكرار النجاح في زمن قادم مع أنه يجب ترك الحديث عن النجاح للتاريخ وكتاب أحداثه والحكم عليه ؟!
 
لقد حفل تاريخ مصر بالعديد من الرواد والعظماء لن ننساهم ، ولن ننسى ما قدموه للبلاد والعباد في مصر المحروسة ، ولكنني أرى أن قيمتهم الأكثر خلوداً في ترك بصمة في مجال إنشاء منظومة للنجاح والحلول القاطعة لتحقيق التقدم لا تنتهي أو تموت برحيلهم عن الدنيا أو تركهم لمواقعهم .. أما أن يحدثنا مسئول عن فساد موقع شغل قيادته لسنوات عديدة فهذا حديث عبثي ، وكان ينبغي لصاحبه أن يلزم بيته ، وألا يشوه ما قد يتصور أنه إنجاز عبقري قد تحقق في عهده ..
 
ومن منا ينسى حديث وزير أسبق عن فساد وزارة كان يتولاها على هامش معرض الكتاب ، وأطروحات معاليه للإصلاح والتطوير ، فنظر إليه " مبارك" قائلاً بسخرية " هوه مش معاليك كنت وزير للوزارة دي عشر سنين ؟!" لينفجر الحضور في الضحك !!!   
 
وعلى العكس نرى حملات معارضه يقودها رموز وأهل فكر ورأي ، وعندما يكونون في موقع المسؤولية ، وقد نسوا أو تناسوا القضايا التي إدعوا أن من أجلها عاشوا ( ومن منا ينسى حملات الكاتبة الكبيرة إياها التي شنتها على وزراء الزراعة وفسادها والحديث عن زراعة القمح ، ولكن عندما صارت مساعدة للرئيس وجدناها فص ملح وداب ياولداه  ) !!