حمدي رزق
كلما سفت ريح باردة فى ضلوعى، واتكلفت فى «بطانية النمر» تصهد بالحرارة، وغالب جفنى النوم مرتاحا آمنا فى فرشتى الدافئة بعد لقمتى الهنية وسهرتى الطيبة بين الأحباء، تذكرت «عبدالودود اللى رابض على الحدود»، دعوت فى سرى ربنا معاك يا ولدى، قلبى داعيلك وربى حافظك وصاينك.

ونحن عنهم غافلون، وهم قائمون على الحدود، عيون ساهرة، عين تحرس فى سبيل الله، لو تعلمون حجم التضحيات الجسام من السمر الشداد لقبّلتم الأرض من تحت أقدامهم، ولكن نجيب منين ناس لمعناة الكلام يتلوه.

اذكروهم جهرة بكل الخير، كل سنة وانت طيب يا عبدالودود، قلها ستصل حتما للأحباء هناك فى نقطة حدودية نائية، تسعدهم وستشعرهم بالدفء، يستدفئون بدعواتكم، تشد من أزرهم، وتصلب طولهم، وترفع معنوياتهم إلى عنان السماء.

بطول وعرض الحدود، هناك جند مجندة من خيرة الأجناد، ينتظرون منكم الدعاء فى ركوعكم وسجودكم وقيامكم فى غسق الليل، ادعوا لهم بالْعَشِىّ وَالإِبْكَارِ، يا رب العالمين إنا استودعناهم أمانة، وسبحانك خير مؤتمن، سبحانك الصاحب والسند، تلهمهم صبراً، وتؤتيهم عزماً، اشدد من أزرهم، سبحانك خير معين يا أرحم الراحمين.

من لم يجل فى صحراوات مصر القاحلة، لا يعرف حجم تضحيات الشباب، مناخ قارى يقطم المسمار برداً، ويسيل من حر صيفه عين القطر (النحاس) ويلين الحديد، ليل موحش، وشتاء زمهرير سيبيرى، لا يحتمله إلا ذوو الجلد، من بين الصلب والترائب رجال شداد، خير أجناد الأرض.

بحار من الرمال الناعمة لا تحتمل وزناً، يغرق فيها العصفور، وتلال وهضاب وجبال واعرة، تندر الواحات الرحيمة، وحشة الصحراء المصرية قفارها مكتوبة على جبين الرجال، يا لها من وحشة فى ليل بهيم، يا لها من ليلة، ليلة رأس السنة، قضاها الشباب فى حراسة الحدود، عند دقات الساعة معلنة عاما جديدا، كانت درجة الحرارة تحت الصفر!

فى المعسكرات والكتائب والنقاط الحدودية تروى الألسنة بطولات وكأنها أساطير، كل ضابط هنا وحده أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة يتسابق إليها الأبطال فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودون بالنصر والفخار.

حزين على حالنا، نتلهى بالأعياد والاجتماعيات والسهرات الكروية على الفضائيات القطرية، ومسك السيرة على مقاهى المحروسة، نتلهى عن بطولات عظيمة هى أولى بالحكى. ننتحر اختلافاً وهم على قلب رجل واحد، ننهزم داخلياً وهم منتصرون، نتباكى على علاوات وبورصات ومزايدات، وهم مرابطون على الحدود، لا يلهيهم بيع أو تجارة ولا انتصارات ليفربول فى الدورى الإنجليزى.
نقلا عن المصرى اليوم