د. أحمد الخميسي 
يحل علينا عام جديد 2020، منحة أخرى من العمر والوجود، ومع بداية العام لابد أن يضع الانسان لنفسه أهدافا واضحة:  سأقلع عن التدخين هذه السنة! سأنظم وقتي! سأشرع في ممارسة الرياضة يوميا! وقد نسخر في ما بعد من ضعف الإرادة والعجز عن تنفيذ ما اعتزمنا القيام به، ومع ذلك يبقى الأمل! طاقة لا تنفد وحلما لا يتبدد.
 
قد لا تكون لدينا إرادة تنفيذ ما نهوى عمله، لكننا  لا نفقد الأمل في تحققه، لأن الأمل طريقة الحياة في الدفاع عن نفسها وعن استمرارها.
 
وأظن أن الأمل مرتبط بالحب ارتباط الشمس بالنور، لأن الحب هو المكان الذي تصفو فيه المشاعر وتفرح الأحلام.
وأظن أن الذين يفقدون الأمل، أو يعيشون بدونه، هم أولئك الذين كفت قلوبهم عن الحب.
 
أذكر في مطلع حياتي وكنت في نحو الثالثة عشرة أنني وقعت في غرام ابنة الجيران التي سكنت مع أسرتها في الطابق الأول من العمارة.
 
كانت جميلة إلى درجة غير معقولة، أو هكذا رأيتها في سنواتي المبكرة، وكانت من سني تقريبا، لكن علاقتي بها اقتصرت على لقاءات المصادفة في مدخل العمارة، أو حينما تصعد لزيارة قصيرة لأخواتي.
 
أحببتها بقوة، أو خيل إلي، لكنني من فرط جمالها تهيبت أن أقترب منها أو أكلمها! تزورنا وتجلس مع أخواتي فأقعد أمامها متجمدا صامتا لا أنبس بحرف، فقط أتطلع إليها وقلبي ممتليء بالأمل، إلى أن حل يوم دعاني فيه أحد أقربائنا وكان مخرجا بالتلفزيون إلى الظهور في تمثيلية تلفزيونية، مجرد عبور أمام الكاميرا في ممر بمستشفى، وأن أشير إلى إحدى الحجرات قائلا لآخر معي : هل هي هذه الحجرة؟ ولا شيء أكثر من ذلك.
 
لكني قررت أن أطيل بقائي أمام الكاميرا طالما أن المخرج قريبي! فرحت أتكلم وأشرح إلى أن صرخ المخرج من أعلى : " إيه ده كله ؟ دول كلمتين وتمشي.
 
أعد التصوير".
 
بعد ذلك بيومين وأنا أدخل العمارة وجدت فتاتي تهبط على السلم، ثم تتوقف أمامي بعينين مفتوحتين مبهورتين وتصيح بفرح لا يحد : " أحمد! أنا شفتك امبارح في التلفزيون! " حل على الذهول، فقد كانت تلك أول مرة تخاطبني فيها فتاة أحلامي، بل وباسمي.
 
أفقت من ذهولي ورفعت رأسي لأعلى قائلا : " ده دور بسيط ، لكن بعد كده ح أبقى أدقق في السيناريوهات اللي تجيني"! وكادت أن تقبلني من افتخارها بعبوري للحظة في لقطة  بممر المستشفى! ومن بعد تلك التجربة لم يتوقف قلبي عن الخفقان والحب، مرة ، واثنتين، وثلاثا، وفي كل مرة كنت أوقن أن الحب مثل الكتابة الأدبية، محكوم بعوامل مبهمة لا يدركها الانسان تقريبا، إنه لا يدرك ما الذي يقوده من تلك العوامل، ولا كيف، ولا إلى أين، كل ما يعرفه أن الحب مرتبط بالأمل بقوة، أحدهما يكمن في الآخر، أو أن الأمل زهرة لا تنبت إلا في أرض العشق وحدها.
 
في العام الجديد 2020 دعونا نتطلع إلى الحب، وإلى الأمل الذي يلوح لنا بزهوره من عند نوافذ الحلم وينشر عطره في أرواحنا وخيالنا، الأمل في أن يحيا أبناؤنا في عالم آخر، جديد، وسعيد، الأمل في انصراف البشرية إلى العلوم والفنون، الأمل في الحب، في الصداقة الحق، في أن تتحسن أوضاعنا، وسيبقى الأمل لأنه لا يخصني ولا يخص أحدا، إنه ليس شأنا ذاتيا، إنه يخص الحياة ذاتها، وفورانها، ودورانها.
 
إنه طريقة الحياة في الدفاع عن نفسها وعن استمرارها.
 
يقول المتنبي شاعر العرب الأعظم : " أكذب النفس إن حدثتها "، أي تعلق بالأمل وأنعشه في نفسك حين تعتزم القيام بشيء.
 
ويقول الطغرائي : " ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، أما ناظم حكمت فيترنم بقصيدته الجميلة : " أجمل البحار تلك التي لم نذهب إليها بعد، وأجمل الأطفال الذينَ لم يولدوا بعد، وأجملُ الأيام تلك التي لم نعشها بعد".
 
فليكن هذا العام 2020 عاما للأمل، ولنعش مشبعين بالأمل، الزهرة التي تنمو في حديقة الحب.
 
عام جديد ، سعيد، بالحب والأمل، وحافل بالانجازات والابداع والعزيمة.