د.ماجد عزت إسرائيل 

   تشهد هذه الأيام المباركة موجه ممنهجة ضد قداسة البابا" تواضروس الثاني" البطريرك رقم (118) (تولى منذ 4 نوفمبر 2012م– وتم تجليسه في 18 نوفمبر 2012م وحتى كتابة هذه السطور أطال الله عمره سنين عدة وأزمنة سالمية)،وفي السطور التالية بهدوء.... نوضح بطريقة بسيطة هذه الأمور التى قامت على أثرها جماعة حماة الإيمان أو وغيرهم من أثارة القلق ضد البطريرك.
 
كما نناقش مهام بطريرك الكنيسة القبطية ومكانته بين كنائس العالم.  
 
 التطور التاريخي لرابطة حماة الإيمان
من الجدير بالذكر أن رابطة حماة الإيمان ظهرت في الأيام الأخيرة للمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك رقم(117) (1971- 17 مارس 2012م).وقد قام بتأسيسها أحد الباحثين بلجنة العقيدة القبطية الأرثوذكسية التابعة لإشراف أسقفية الشباب، بالإضافة لمجموعة من الشباب الدارسين بذات التخصص،وكان هدفها في البداية الرد على أى شبهة أو اتهام يوجه للعقيدة المسيحية أو الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بكل محبة في ظل نقاش علمى أكاديمى. كما أكدت الرابطة على عدم المشاركة في أى وقفات أو مظاهرات أو تجمعات، وتكتفى بإصدار بيانات تعريفية تعبر عن موقفها. وأيضًا أكد أعضاءها أنهم لايعملون على أى نوع من الأجندات الخاصة، وعلاقتهم بالآباء شخصية بين الابن وآبائه، وشددت على أنه لا يملى عليها أحد، وكذلك منحت نفسها الحق فى تقدم الاقتراحات للعمل الإدارى الكنسى، مثل قانون الأحوال الشخصية.كما حظرت الرابطة على أعضائها الحوار حول إيمان غير المسيحين، فلهم منا كل احترام وتقدير.وهنا لا ننكر أن وراء هذه الرابطة بعض الأساقفة والكهنة الأرثوذكس التابعين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وبعد فترة وجيزة تطور دورها لدرجة وصل إلى مهاجمة بعض آباء الكنيسة والتعليق على تصرفات بعضهم،وأصبحت معظم أمور الكنيسة على وسائل التواصل الاجتماعى. 
 
   وبعد نياحة قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك رقم(117) (1971-17 مارس2012م)، تولى قداسة البابا تواضروس الثانى-منذ 4 نوفمبر 2012م- الدار البطريركية وقد وَرِثَ تركة ثقيلة تمثلت في ظروف أوضاع مصر السياسية حيث كانت تسيطرت على مقاليد السلطة جماعة الإخوان المسلمون، بالإضافة إلى تعرض الأقباط لعديد من الاعتداءت على أولادهم  وممتلكاتهم.
 
كما حرق أكثر من مائة دير وكنيسة وتم نهبهم وسلبهم، فضلا عن محاولة بعض الأساقفة –الغير مؤهلين- وضع العراقيل أمام البابا من أجل إصلاح الأضاع الإدارية أو تقسيم الأبرشيات أو إعادة هيكلة النظام الإدارى للدار البطريركية،أو رسامة أساقفة لبعض الأديرة– دير أنبا مقار- ولذلك لجأ هولاء المعارضين لفكر قداسة البابا من مساندة وتشجيع رابطة حماة الإيمان لإنها تعمل لمصالحهم الخاصة وليس لحماة إيمان الكنيسة كما يروجون لذلك. 
 
    على أية حال،بدأت رايطة حماة الإيمان تشن من وقت لآخر هجومها على قداسة البابا تواضروس الثانى– هنا نريد أن نوضح في هذه المقالة  للشباب وللأقباط عساهم يجدون ما يفيد وإلى الذين يسممون أمامهم الآبار لعلهم يتعظون – نذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر عندما زار قداسة البابا فرانسيس مصر في إبريل 2017م أصدرت الرابطة عدة بيانات، لعل أهمها رفض توحيد المعمودية،وبعد مقتل نيافة الأنبا إبيفانيوس حرصت الرابطة على الخروج من مأزق توجيه أصابع الاتهام إليها من قبل بعض اللاهوتيين والمتابعين للمشهد القبطى، بشأن علاقتها بقتلة الأب إبيفانيوس، وحاولت تبرئة نفسها.كما اعترض بعض أعضائها على قداسة البابا تواضروس بوقف رسامة الرهبان لمدة عام. كما حاولت هذه الرابطة استغلال موضوع تقسيم أبريشية المنيا، وفي الأيام الأخيرة وبالتحديد في 19 نوفمبر 2019م اعترضوا على تشيد قداسة المكتبة البابوية المركزية بدير الأنبا بيشوي،حيث ادعت الرابطة بأن رسوماتها ومبانيها أو طريق لإعادة فكرة الكثلكة، وأيضًا اعتماد  قداسة البابا على الرهبان المتاوية أى خلفاء الأب متى المسكين،واستغلت الرابطة بيان الأنبا سرابيون أسقف لوس أنجلوس بشأن إقامة قداس إلهي يوم 25 ديسمبر 2019م ليتوافق مع بعض ظروف واتهمته بمحاولة توحيد عيد الميلاد مع الكنيسة الغربية. مع العلم أن موضوع التقويم يحتاج دراسة من قبل لجنة علمية تضم مجموعة متخصصة من شتى المجالات،وأيضًا مراجعة أيام الصوم. للأسف الرابطة يبدو أن هدفها الرئيسى عرقلة طرق الإصلاح،مع العلم أن في عهد قداسة البابا الحالى لم يتم تغير شىء قط سواء من  العادات أو الطقوس الكنسية أو اللاهوتية أو مواعيد الأعياد.
 
على العكس الكنيسة اتسعت في شتى بقاع العالم والدليل على ذلك بلغ عدد الأبرشيات خارج مصر نحو(27) أبرشية وتعددت الكنائس وأصبحت كنيستنا القبطية تمارس الصلوات بنفس ذات الطقوس والعقيدة والألحان بلغات متعددة. 
 
  وبالأمس القريب ربما روجت رابطة حماة الإيمان أو غيرها أن الكنيسة الروسية قامت بقطع علاقته بقداسة البابا تواضوس الثانى لأنه اعترف بالكنيسة الأوكرانيةالأرثوذكسية، مع أن هذا الخبر يخص البابا ثيودروس الثاني بطريرك الإسكندرية وأفريقيا للأرثوذوكس. وقد صدر بيان عن الدار البطريركية في 28 ديسمبر 2019م أكد على أن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية لم تقطع علاقتها بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بل يوجد تعاون مشترك ما بين الكنيستين في العديد من مجالات الخدمية التى يعود نفعها على كلاهما.  
 
  هنا نريد أن نسجل أن قداسة البابا تواضروس الثانى قد اعترض على مسمى هذه الرابطة حيث ذكر في أغسطس2018م في احد العظات قائلاً قداسته:"لا يوجد حماة للإيمان المسيحى،فإيمان الكنيسة محمى بصاحب الكنيسة وهو المسيح" وجاء رد رابطة حماة الإيمان  على قداسته حيث ذكر قائلاً:"نحن لم ولن ندّعى أننا حماة الإيمان، ولكننا أبناء حماة الإيمان الحقيقيين، الذين لولاهم ما وصل لنا الإيمان نقيًا ومستقيمًا، فنحن أبناؤهم نسير على دربهم ونسعى بكل قوتنا إلى الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسى نقيًا، لنسلمه لأبنائنا كما تسلمناه من آبائنا، وهذا واجب، ليس علينا نحن فقط، بل على كل قبطى أرثوذكسى"،معتبرين أنفسهم أحفاد القديسين أثناسيوس وكيرلس وديسقورس والبابا شنودة. وفي 26 ديسمبر 2019م رد قداسة البابا تواضروس الثانى على بعض القائمين على أعمال البلبلة في بعض الأمور الخاصة بالكنيسة،وأكد قداسته على أن هؤلاء  جهله وأن للبابا له سلطة في التدبير الرعوى – وهذا بالحق من أختصاص البابا.
 
  والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من هم حماة الإيمان؟ ومن وراء هذه الرابطة؟ وما هو الهدف منها؟ وأن كان ذلك كذلك لماذا ظهرت هذه الرابطة اعتراضها على كل شىء يهدف إلى الإصلاح عقب تولى قداسة البابا تواضروس الثانى؟ ولماذا تتعمد أثارة البلبلة بين الشباب وأوساط الأقباط؟ وهل بالحق يحتاج الإيمان لحماية؟. ربما كمؤرخ لم أجد عبر تاريخ  كنيستنا القبطية الأرثوذكسية مثل هذه الرابطة؟ 
 
  مكانة بطريرك الكنيسة القبطية بين كنائس العالم.  
  توالى على كرسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أو كرسي مدينة الإسكندرية (118 بابا) الحالي هو قداسة البابا تواضروس الثانى- منذ 4 نوفمبر 2012م – وحتى كتابة هذه السطور-ووعبر تاريخ الكنيسة تم اختيار البطريرك من فئات متعددة منها العلمانيون،والرهبان، ومطارنة الإيبارشيات،والأساقفة العامون،وهناك أربعة بطاركة في العالم وهم بطاركة الإسكندرية وروما والقسطنطينية وإنطاكية.
 
  مهام بطريرك الكنيسة القبطية 
    البطريرك هو خليفة السيد المسيح ورسله، وحاكم في عقد شرعه، واسم البطريرك مأخوذ من مفهوم الأبوة، فمعناه الأب الأول ولذلك هو المسئول عن كل شيء. وبالرغم من ذلك لا يمتلك اتخاذ القرار منفرداً، لان الكنيسة القبطية تتميز –على مر العصور – بمسحة ديمقراطية لا تخلو منها عملية صنع القرار في هذه المؤسسة الدينية، فعلى الرغم من احتلال البابا قمة الهرم القيادي في المؤسسة الكنيسة، وما له من قداسة دينية إلا أنه لا يستطيع الانفراد باتخاذ القرار.
 
    ويرجع ذلك إلى أن البابا هو "رئيس الأساقفة "فهم الذين اختاروه –بعد مشيئة الله- وكرزوه، لذلك ينص في وثيقة تكريز البابا على لسان الأساقفة يقول: " لكي يرعانا بكل الرأفة والوادعة " ولذلك تعددت مهامه وهى كما يلي:
 
    البطريرك يبارك ولا يبارك عليه، ويرأس المطارنة والأساقفة(المجمع المقدس) وأن يعمل على حفظ الدين على أصوله،وقطع البدع، والحكم بالعدل، وإعطاء الرئاسات (الرسامات والدرجات الكهنتوية) لمستحقيها والقائمين بها، ومشورة أهل العلم والتعليم لشعبه والوعظ والتهذيب، لأنه الرقيب عليهم بعد الله والمطالب بهم أمام الله .فقد قال الله لحزقيال النبي:"إني جعلتك رقيباً لهذا الشعب، تسمعه كلام فمي ليحفظه – وينادى به من جهتي، في قولي للخاطى:إنه يموت بخطيته ودمه اطلبه من يديك (مسئولا عن هلاكه) فإذا أنت بدأت وعرفت الخاطى أن يتحفظ من مكانة السوء(الشر) ويزول عن،فلم يزل عنه (تركه)فهو يموت بخطيته ،وأنت تربح نفسك ".
 
  ودعت قوانين الكنيسة، وما تركه الرسل والآباء الرسوليين من قوانين"بألا يربط أحد إلا ما ربطه الشرع، ولا يحل إلا ما حله الشرع" (استخدام سلطان الحل والربط لضرورة الرحمة والعدل، وقد ورد في قوانين الآباء الرسل تحذير لهم بعدم استخدام المنشار الحاد الأسنان وعدم الظلم أو القسوة في الحكم ).
    والبطريرك أو الأسقف أو القس والشماس، وكل من له طقس (رتبة) في الكهنوت، لا يدنس لسانه بلعنه(شتيمة) لئلا يرث أللعنه(غضب الله) بدلاً من البركة.والبطريرك لا يتعـالى (يتكبر)على الأســـاقفة لأنه واحــد منهم، والأساقفة على القسوس والشمامسة على الشـــــعب لأن قيام الكــنيسة ببعضها البعض. والبابا هو المسئول عن انعقاد "المجمع المقدس" ورئاسته؛ لأهميته في إصدار القرارات كأعلى مجلس كنسي، و يجب عليه الاهتمام بالعمل المسكوني والسعي وراء وحدة الكنائس.وكما أنه المــسئول عن إقامة الشعائر الدينة في كل رعــيته؛ ولذالك فهو مطالب بتوفير الكـــنائس –بسبب زيادة السكان – لممارسة طقوس الكنيسة.
 
   وأيضا  البابا مسئول عن صناعة" الميرون "(الزيت المقدس)، ومن البطاركة الذين قاموا بذلك أكثر من مرة على سبيل المثال وليس الحصر المتنيح قداسة البابا" شنودة الثالث"البطريرك (117)الحـــالي حيث قام بذلك أعــــــوام (1981م/1987م/1993م/ 1995/2004م/2005). والبطريرك مسئول على المناطق التي تم رسامته عليها، فهو مطالب بعد اختياره، واعتماد القرار الجمهوري بنشر الكرازة بها وهى الكرازة المرقسية (مصر) وكل إفريقيا وبلاد المهجر.
 
    وعلى البابا رعاية أقباط المهجر في كل المسكونة بتنــــــظيم الزيارات الرعوية لهــــم، وإقامة الكنائس والأساقفة؛ وإرسال كــــــهنة يصلحون لهذه الخدمة، وترجمة القداس إلى اللغات المحلية الخاصة بهم. على أية حــال فهناك بعض الأمور التي يحق للبابا اتخاذ قــــراراته بشأنها مباشرة بحـــكم ما له من صلاحيات تخولها له القـــوانين والتقاليد الكنسية، منها إدارة الأوقاف القبطية، فالبابا باعــــتراف المـــــصادر الحكومية "الناظر على أوقاف الأقباط والكنائس والأديــرة "ينـظر في شئونها المالية حسب ما يمليه عليه ضميره.ويذكر التاريخ أن هناك حسنات بعض الباباوات التي ذكرت بعد نياحتهم في حسن التصرف المالي في الأوقاف وعدم الاعتداء على ميزانيتها، نذكر على سبيل المثال ما ذكره البابا "يوساب "البطريرك رقم (115)(1946-م1956) في رثائه البابا "يؤانس الثامن عشر "البطريرك رقم(107)( 1769-1796م)عندما يقول عنه:" ما رأيناه يحل وقفا عن وقفيته ولا يحل وقفا إلى وقف غيره، ولا يستبدل وقفا بوقف غيره".
 
  خلاصة القول للبطريرك الحق في الإشراف العام والنظر في أملاك الكنائس والأديرة وأوقافها ودخلها ومتعلقاتها، ويعمل برأيه،وأن بتابع أمور الأيتام، ويفوض من يثق في أمانته وديانته (أخلاقه) لرعايتهم، أو يزيل رئاسته (يفصله من الخدمة)عند ثبوت عدم أمانتهوحماية طائفته من الأفكار الخارجة .
 
وأخيراً، هذه مهام البابا في الكنيسة القبطية والتى تم وضع قوانينها وتنسيقها عبر التاريخ منذ تجليس أول بطريرك لكرسي مدينة الإسكندرية وحتى يومنا هذا.
 
السؤال الذي يطرح نفسه هنا- ما هى الأمور أو المهام التى لا يقوم بها قداسة البابا تواضروس الثانى؟ أو إذا جاز لنا التعبير ما أسباب الموجه الممنهجة ضد قداسة البابا تواضروس الثانى؟ هل سببها لقيام قداسته بالإصلاح  الإدارى والتنوير والتعمير والتشيد للأديرة والكنائس والمكتبات ورعايته أبنائه المتفوقين علميا  وعالمياً في شتى المجالات،أوبسبب قيام قداسته ببناء جسور من المحبة والوطنية بين شركاء الوطن والسلطة الحاكمة بمصر من ناحية، وبالعالم العربي والمجتمع الدولى من ناحية أخرى.
 
علينا أن نحكم ضميرنا وأن نقيم المدة ما بين (نوفمبر 2012 م وحتى كتابة هذه السطور)، وتقيم المنتج سواء رعاية قداسة البابا لشعبه بمصر أو ببلاد المهجر. ولايجب أن ننسى الظروف التى تعرضت لها البلاد خلال ذات الفترة من حبريته.
 
كل عام وكل شعب كنيستنا والعالم أجمع بشتى طوائفه بكل خير وصحة وسعادة وأعياد مباركة للجميع – بصلوات صاحب الغبطة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا وبطريرك الكرازة المرقسية.