طلعت رضوان
كتب د. مراد وهبة أنّ الفرعونية تعنى (نقد الفرعون) واستشهد بما قاله السادات عندما قال: أنا فرعون مصر.. وأنّ الديمقراطية لها أنياب.. وأضاف د.وهبة: إنّ هذه العبارة- لو تحدّثنا عن الديمقراطية- فلن تكون على النمط الأوروبى.. وإنما على النمط الفرعونى.. وهذا معناه أنْ نقول ((ديمقراطية فرعونية)) (جريدة المصرى اليوم- 20 ديسمبر2019).

■ ■ ■

ومن خلال قراءتى لكتب د. وهبة لاحظتُ أنه عندما يذكر ملوك مصر حقبة الحضارة المصرية، فإنه يفضل استخدام التعبير العبرى (فرعون)، وأنّ الشخصية المصرية ((فرعونية.. ولم تتغير منذ سبعة آلاف سنة.. وكلها فكر أسطورى.. وأنّ الحضارة المصرية لم تؤثر في الحضارة الإنسانية.. والذى أثّر هو الشعب اليونانى، لأنّ الحضارة اليونانية تخلصتْ من الفكر الأسطورى)) (جرثومة التخلف- مكتبة الأسرة- عام 1998- ص25، 26) ثـمّ تناقض مع نفسه عندما ذكر أنّ كثيرين من العلماء اليونانيين جاءوا إلى مصر.. وتعلموا العلم من المصريين.. وأشهرهم ((طاليس في علم المساحة.. وضبط فيضان النيل.. وفيثاغورس الذي أخذ عنهم العلم الرياضى)) (المصدر السابق- ص 52) ولكنه كرّر كلامه عن دور اليونان في الحضارة.. ونفى أي دور لمصر أو الصين أو الهند (المصدر السابق- ص128).

وكرّر تناقضه، حيث ذكر أنّ ((مصر القديمة كانت من أوائل الدول التي أبدعتْ الحضارة.. وأنّ الأطباء المصريين أثبتوا تقـدمهم في الجراحة، لأنهم أثناء تحنيط الجثة، فإنّ هذا الأمر يتطلب تفريغ جمجمة الرأس.. وأنّ فلاسفة اليونان تتلمذوا على يد المصريين)) (مُـلاك الحقيقة المطلقة- مكتبة الأسرة- عام1999- ص295، 301).

■ ■ ■

ما سبق مجرد أمثلة خشية الإطناب، لأنّ هدفى هو إبراز دور مصر الحضارى.. كما ذكر علماء (علم المصريات) Egyptology.. ويكفينا فخرًا أنّ التقويم العالمى (الميلادى) مأخوذ عن التقويم الجريجورى، المأخوذ عن التقويم الرومانى، المأخوذ عن التقويم المصرى الذي قسّـم السنة إلى 365 يومًا وربع اليوم على مدار12 شهرًا وذلك عام 4241 ق.م.

وتطوّرتْ الحضارة المادية، فكان إجراء أول جراحة مخ (تربنة) في التاريخ، حسب الترجمة الموجودة في المتحف البريطانى.. ووجود عُقد موجود في متحف برلين، خرزاته من الكريستال الطبيعى.. وهذا العقد به ثقوب لتمر منها أسلاك رفيعة من الذهب.. ولا يزيد قطر الثــُقب عن جزء من الملليمتر.. ويرى العلماء أنّ هذه الثقوب لا يحدثها الإشعاع من الليزر.. ويتساءلون: كيف فعلها المصريون؟ وقال د. أحمدى عبدالعزيز أستاذ الكيمياء إنّ المصريين القدماء توصلوا إلى صناعة الألياف الزجاجية.. وإنّ كل عشرة من هذه الألياف تساوى قُطر شعرة رأس واحدة، فكيف فعلوها؟.. وذكر د.على حسن، ابن أخ عالم المصريات سليم حسن: ((لقد عرف جدودنا المصريون المواد المُـشعة.. واكتشفوا صخورًا معينة قرب بنى سويف نسبة الإشعاع بها عالية، فاتخذوا منها طلاءً أزرق بعد طحنها وتحويلها إلى بودرة)).. كما اخترع جدودنا الخيوط الجراحية.. ومِشرط الشق الحنجرى لحالات الاختناق. وإبر الجراحة المصنوعة من الذهب والفضة.. وعرض د.عادل إمام، أستاذ أمراض القلب، فيلمًا عن بعض الجداريات المصرية، وقال: ((أعرض عليكم صورة من أحد المعابد، تُصوّر التحام الحيوان المنوى وبجواره البويضة، ثـمّ انقسام البويضة إلى اثنتيْن ثـمّ أربع، فهل كان لدى جدودنا ميكروسكوب؟ خصوصًا أنّ 400 مليون حيوان منوى يمكن وضعها في رأس دبوس إبرة)) (انظر مقبرة رمسيس 6 في وادى الملوك- غرفة الدفن). وذكرتْ عالمة المصريات الفرنسية كريستين نوبلكور أنّ مصر عرفتْ منذ آلاف السنين أنّ القمر يستمد نوره من الشمس.. ودليلها على ذلك ما وجدته مكتوبًا على تمثال آمون ((العين اليمنى هي الشمس.. والعين اليسرى هي القمر.. والعين اليسرى تستمد نورها من العين اليمنى)). وهذه الحضارة المادية لخّصها العالم الكبير برستد في جملة دالة، إذْ كتب: ((إنّ الصناعة المصرية أخرجتْ كتانــًا على النول اليدوى، بلغتْ فيه دقة النسيج ما جعل من الصعب أنْ نُميّزه عن الحرير.. وإذا قارناها بخير ما يمكن أنْ يـُـنتجه النول الميكانيكى الحديث، فإنّ صناعتنا الحالية تبدو خشنة بالنسبة إليها)) (انتصار الحضارة ص 100).

وكتب: مصر هي أول حضارة متقدمة كبيرة، في وقت كانت فيه أوروبا ومعظم غربى آسيا لاتزال مسكونة بجماعات مُـشتتة من صيادى العصر الحجرى (فجر الضمير- ص30) وكتبتْ نوبلكور: «تروى لنا بعض الآثار ما يدل على المواهب الرفيعة التي تمتـع بها المصريون القدماء، ذلك الشعب الذي أبدع حضارة متقـدّمة، في الوقت الذي كان جدودنا في أوروبا ((قابعين في ظلمات الكهوف))» (كتاب: المرأة الفرعونية- مكتبة الأسرة- عام 1999- من المقـدّمة).
نقلا عن المصري اليوم