أمينة خيري
ومازلت حبيسة خانة السلوكيات المفجعة والأخلاقيات التي تتبدد أمام أعيننا ونحن مكتوفى الأيدى مغمضين عينًا ومبقين على الثانية مفتوحة على استحياء. واقعتان تبدوان للموهلة الأولى وكأنهما لا يمتان لبعضهما البعض بصلة. الأولى واقعة كلب المطرية وسفاحيه، والثانية نائبة البرلمان وطلقاتها النارية المفجعة مثلها.

استمتاع مجموعة من «البشر» بتعذيب وقتل حيوان أعزل ليست جديدة علينا. وما كلب المطرية الشهير إلا حالة ضمن ملايين الحالات لـ«بشر» تصوروا أنهم متدينون بالفطرة، ملتزمون بالأخلاق طالما لم يقتلوا إنسانًا أو يغتصبوا فتاة أو يسرقوا ممتلكات جار. وليس خفيًا على أحد أن نفاقنا المتزايد في نفس وقت تنامى تديننا المظهرى والصوتى الشديد يحتوى ضمن مكوناته على شىء اسمه التعامل مع الحيوانات باعتبارها جمادًا. وتتفاقم الأمور ويستفحل القبح في ظل مفهوم الكلاب السبعيناتى والثمانيناتى والذى حملته لنا مجموعة من مشايخ الفتنة والعار والقبح، والذى أشاع أن الكلاب نجاسة ومانعة لدخول الملائكة، وهو ما ساهم في قناعة البعض بأن قتلها وتسميمها والاستمتاع والتفاخر بتعذيبها حلال حلال.

كلب المطرية وصل إلى العالمية بفضل السوشيال ميديا ومنها إلى المذيعة إيمان الحصرى المعروفة بإنسانيتها الشديدة فيما يتعلق بالتعامل مع الحيوانات. ولولا ذلك، لمر كلب المطرية مرور الكرام شأنه شأن غيره من حالات القتل والتعذيب والتفاخر بهما المعروفة في شوارعنا وللأسف ثقافتنا. الثقافة المصرية الجارى ضربها في مقتل على مدار نحو نصف قرن جعلت خريجى جامعات وآباء وأمهات يربون أبناءهم على اعتبار أن قتل الكلاب حلال، وتسميم القطط مباح، وأن الفقير أولى باللقمة التي تعطيها لكلب في الشارع، وكأن اللقمة لا ثانى لها، أو أن إطعام الكلب سيؤدى إلى موت الفقير حتمًا. حتمية ربط العديد من الأحداث والمظاهر والظواهر في مجتمعنا تقودنا من كلب المطرية إلى نائبة البرلمان. ماذا فعلت النائبة التي يفترض أن نلجأ إليها كمواطنين لتضغط على البرلمان لسن قوانين تطهر الشارع من فوضاه المقيتة، وتعيد بعضاً من نظام ومنطق بين فئات عديدة في المجتمع لا تجد حرجًا أو تشعر بغضاضة أن تأكل وتشرب وتصلى وتتسامر وتحتفل وتدخن الشيشة بينما أكوام من القمامة وأسراب من الذباب على بعد سنتيمترات منها، وتضع حدًا لاختلاط مفهوم الحرية الشخصية الذي جعل الضوضاء وجنون القيادة والسير العكسى وقتل الآخرين حرية شخصية؟ النائبة أطلقت النار من بندقية من نافذة بيتها ابتهاجاً بخطوبة ابنتها وهى تعلم أن أحدهم يصورها لتخليد هذه اللحظات التاريخية. وبكل قدرة قالت لمنتقديها: «ماشية قانونى وتبع القانون. إحنا اللى بنشرع القانون، يستحيل أمشى خطأ».

وامصيبتاه!

من همنا نعتقد أنهم قد يمدون لنا يد العون لإنقاذ المجتمع الغارق سلوكيًا في فوضى عارمة لا يضربون عرض الحائط بالسلوكيات فقط، لكنهم لا يفقهون معنى القانون من الأصل. الطلقات النارية القادمة من المطرية والبرلمان واحدة.
نقلا عن المصرى اليوم