فاطمة ناعون

الأمن»، «الصحة»، «التعليم» تحتلُّ المراتبَ الأولى من قائمة «حقوق الإنسان» التى نحتفلُ هذه الأيام بعيدها الواحد والسبعين فى «اليوم العالمى لحقوق الإنسان»، الموافق ١٠ ديسمبر. ولنا- نحن المصريين- أن نفخرَ أننا الآن فى عهد يحترم تلك الحقوق الثلاثة ويوليها الاهتمامَ والدعم.

رجالُ جيشنا وشُرطتنا البواسل وأجهزتنا الاستخباراتية يوفرون لنا الأمن. ودولتُنا اليوم جعلتِ الصحّةَ فى أول اهتماماتها عبر مبادرات رئاسية حاسمة ومستدامة ذات برامج دقيقة تشمل المصريين كافة، مثل «حملة ١٠٠ مليون صحة»، وألف وحدة غسيل كلوى بالمجان من صندوق «تحيا مصر»، ومبادرة «نور الحياة» للكشف المبكر على عيون تلاميذ الابتدائية، ومبادرة «الكشف عن الأنيميا والتقزّم والسمنة»، ومبادرة «صحة المرأة»، ومشروع التأمين الصحى، وغيرها الكثير.

وأما التعليم، فهو بالفعل يشهد طفرةً نوعية هائلة فى عهد د. طارق شوقى، سأفرد له سلسلة من المقالات، لأرد بها على سلسلة مقالاتى القديمة التى اتخذت عنوانًا رئيسيًّا: «كأننا نتعلّم»، انتقدتُ خلالها الوضع المزرى للتعليم فى مصر خلال العقود السابقة، كتبتُها بقلم غاضب فى عهد وزراء تعليم سابقين.

حقوقُ الإنسان هى عينٌ للكفيف، وأُذنٌ للأصمّ، وحنجرة للأخرس، وساقٌ للكسيح، ورغيفُ خبزٍ للجائع، ودثارُ دفءٍ لفقير يفترشُ الأرضَ ويلتحفُ الصقيع. هى ورقةٌ وقلمٌ وعلبة ألوان وكراسة رسم لطفلٍ حُرم بهجةَ مقعد المدرسة.
 
وهى سوطٌ يذود عن جسد يتيمة يُتاجَر بِعرضها ولا تجد من يحميها. هى قلبٌ رحيم وحضنٌ وثير يحمى المُعوّق من سخافات البشر. حقوقُ الإنسان هى عينُ الله الساهرةُ فى قلوب المؤمنين لتحرس المأزومين البؤساء.
 
فى اليوم العالمى لحقوق الإنسان، أهدى مقالى هذا لأحد أولئك المؤمنين. فارس عظيم يدرك تلك القيمة العظمى: «حقُّ الإنسان فى البصر». ثم اختصَّ «المُعوَّق» بأولوية الرعاية، حيث من الجَور أن يجمعَ إنسانٌ بين إعاقة ما، وفقدان البصر. تأملوا معى الرسالة التالية:
 
(أستاذة فاطمة، قرأت مقالك عن دكتور «فتحى فوزى مرقس». فأرجو من حضرتك مساعدتى فى تخفيض أتعاب عملية جراحية لأخى أحمد فى عينيه اليمنى واليسرى، حيث إنه معاق ذهنيا، وتكاليف العملية باهظة، ونفسى يعملها عند د. فتحى).
 
وصلتنى هذه الرسالة من قارئة لا أعرفها. وأرسلتها للدكتور فتحى. وفورًا طلب التقارير.
 
ونظرًا لصعوبة الحالة، حدد لها موعدًا فوريًّا للعملية دون انتظار لقوائم الانتظار الطويلة بمستشفاه. وتنازل عن أجره. ونجحت العملية لأن قلبَه كان يمسكُ مِبضعَ الجراحة مع يديه وعِلمه.
 
أما المقالُ الذى قصدته الشقيقة، فكان بعنوان «صائغُ اللآلئ عظيمٌ من بلادى»، بتاريخ (الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٨)، بمناسبة تكريم الطبيب الكريم الذى ذهبتُ له يومًا بوالدة شهيدة فقيرة، أضاع البكاءُ نورَ عينيها، فأعاده إليها، ورفض أن يتقاضى منّى أجرًا، وقال كلمتَه الخالدة التى تكررت كثيرًا فى مواقف مشابهة: «خلينّا ناخد معاكى شوية بركة». تصوّروا حجمَ التواضع والكرم والتحضُّر والرقى!.
 
بعد نجاح عملية «أحمد حسن» أرسلت لى شقيقته صورًا له بضمادات الجراحة، وصورًا لاحقة وقد استرد بصره (سوف أنشرها على صفحتى)، وكتبت تقول: (دى صورة أحمد، جازاكى الله خيرًا، وشفا لك عُمر).
 
فأرسلتُ للدكتور فتحى رسالة أشكره فيها قلتُ فيها: (مش لاقية كلام شكر وامتنان يوافى قدرك. بارك الله فى علمك وجمالك ورقيك وطيبتك يا د. فتحى.
 
البنت مبهورة من رقيك وجمالك. بتقولى كل كلمة قلتيها عن د. فتحى فى المقال صدق. قلتُ لها أحتاجُ مساحةَ مقال بحجم مجلد ضخم ليكون كلامى عنه صادقًا)، فجاء ردُه عجيبًا وراقيًا كالمعتاد قائلا: (أشكركِ يا أ. فاطمة؛ لأنكِ تعطينا الفرصة لأن نشارك بخدمة المحتاجين ونتوقف قليلًا عن العمل كماكينات ونتذكر أننا قبل ذلك آدميين).
 
ذلك هو الفارسُ العظيم الذى يستحقُّ «قلادة النيل». لأنه لم يخذل فقيرًا ولم يبخل بعلمه على محتاج. وأختمُ مقالى هذا برسالتى الأخيرة له ردًّا على رسالته الجميلة: (بالفعل، لله حكمةٌ فى أن يمنحنا النبلاءَ الأنقياءَ مثلك، حتى يتذكّرَ البشرُ ألا يتوقفوا عن المحاولة للارتقاء بأنفسهم، حتى يصلوا إلى مرتبة «الإنسان النبيل». شكرًا لرسائل الله وشكرًا لك لأنكَ أنت).
 
الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.