بدلاً من أن يحفظ القمح من التسوس صار يقتل شباب الريف بالتسمم!!، كنت أظن أن ما يسمى الحبة القاتلة أو حبة الغلة شىء نادر، حتى وصلنى من مايكل أمين قلدس، الطالب بالفرقة السادسة كلية طب الإسكندرية، ما صدمنى بأنه فى فترة التدريب بالمستشفى الأميرى الجامعى شاهد عدداً كبيراً من حالات الانتحار، أرسل مايكل رسالة تحذير يقول فيها:

كارثة إنسانية نشهدها يومياً بحالة أو أكثر فى طوارئ المستشفى الأميرى الجامعى، يأتى الأهالى بفتى أو فتاة فى مقتبل العمر فاقداً للوعى من إحدى قرى محافظة البحيرة ويدعون السبب أنه تناول قرص الغلة، هنا يعرف الأطباء وكذلك الأهالى أنه لا وسيلة للنجاة من هذه الحبة القاتلة، إذ ليس لها أى مضادات، فقط يعطون المحاليل وماسك الأكسجين، وكل من الأطباء والأهالى يعلمون أنها مسألة وقت على الوفاة وحينما تأتى اللحظة المنشودة لا صراخ أو عويل يحدث ربما لمعرفتهم مسبقاً بالموت المحتم، نرى يومياً حالة أو حالتين على الأقل وهناك حالات كثيرة جداً أخرى لا تأتى إلينا، كما أنه ليست محافظة البحيرة وحدها بل معظم المحافظات الريفية المشتهرة بإنتاج الحبوب كالدقهلية والمنوفية وغيرها.

قرص حفظ الغلة أو (قرص الغلة) كما هو مشهور، يستخدم لحفظ القمح من التسوس أثناء تخزينه، أصبح وسيلة الانتحار المفضلة بالريف المصرى ويرجع ذلك لسهولة الحصول عليه إذ إن هذه الأقراص أصبحت منتشرة ومتوافرة للاستخدام فى حفظ الحبوب، خصوصاً حبوب الغلة بالمنازل كما إنها تستخدم كمبيد حشرى فى الزراعة، قرص الغلة يتكون كيميائياً من فوسفيد الألمونيوم، وتعزى سمية فوسفيد الألمونيوم إلى تحرير غاز الفوسفين الذى ينطلق عندما يتفاعل فوسفيد الألمونيوم مع الماء فى الجسم الذى يسبب تآكلاً مباشراً للأنسجة ويثبط الإنزيمات الخلوية، عادة ما تظهر أعراض التسمم فى غضون دقائق. السبب الرئيسى فى الوفاة هو انهيار الدورة الدموية والتى تؤدى إلى التأثيرات المباشرة على عضلة القلب بالإضافة إلى فقدان السوائل، تلف الغدة الكظرية، وحموضة الدم مما يتسبب فى حدوث صدمة شديدة والتهاب عضلة القلب، ومتلازمة الاختلال العضوى المتعدد.

بسبب سهولة الحصول عليها وعلم المنتحر بأنها شديدة السمية وسريعة القتل ربما لمعرفته ذلك من خبرات سابقة من محيطه، يلجأ المنتحر إليها لينهى مأساته فى الحياة، مما جعل منها ظاهرة بين أوساط المراهقين فى الريف المصرى، فاستشرت بينهم لتجنى الكثير والكثير من الأرواح الشابة المثقلة بالهموم.

ومن هنا نشدد على خطورة الأمر، إذ إن هذه الحبوب التى يستعين بها الفلاحون كمواد مضادة للفطريات التى تسبب تسوس وعفن الحبوب، تستخدم فى بعض الأحيان كمادة للانتحار باعتبارها شديدة السمية وسريعة المفعول لذلك يجب منع استخدامها وتداولها وإيجاد بديل آخر خاصة بعد ذلك الانتشار السريع الذى حققته وشهرة بين أوساط المراهقين حتى نحفظ حياة أولادنا وبناتنا من حبة باتت أداة انتحار مؤكدة قلما ينجو أحد منها.
نقلا عن الوطن